أكد الشيخ د. خالد بن خليفة آل خليفة نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي أن سياسة الحزم السعودية عرت إيران أمام المجتمع الدولي وفضحت سياستها الهمجية، موضحا أن التحرك القوي للمملكة في عدة ملفات فاجأ النظام الإيراني وأربك حساباته مما قاده إلى الوقوع في أخطاء سياسية فادحة مثل الاعتداء على البعثات الدبلوماسية السعودية ما جعله محل إدانة عالمية. ووصف الشيخ خالد آل خليفة في حوار مع "الرياض" القوة الإيرانية بالقوة الإعلامية، وقال إن النظام الإيراني يعتمد على المزايدات الإعلامية وعلى تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي في المنطقة، مؤكدا أن اندلاع أي حرب في المنطقة سيقود لسقوط النظام في ظل تزايد مشاكله الداخلية وتصاعد التذمر الشعبي من كلفة تدخلاته في الشؤون الإقليمية، واستبعد تحقق الطموحات الامبراطورية لطهران؛ لأن العالم الشيعي في المنطقة هو عالم عربي أولاً وآخراً، ولم يكن فارسياً قط، مشددا على أن إيران لم تحقق خلال العقود الماضية من طموحاتها وأطماعها شيئاً يذكر. ونوه آل الخليفة بوقوف المملكة الدائم مع البحرين في كافة المنعطفات والأزمات مشيرا إلى المملكة هي العمق الإستراتيجي للبحرين، ودعا نائب رئيس مجلس الأمناء المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي للتركيز على فئة الشباب وتحصينه ضد التطرف، داعيا لتعزيز الاحترام والتعايش، لحماية مجتمعاتنا العربية والخليجية من التطرف والإرهاب وكيد الأعداء. وفيما يلي نص الحوار * كيف تنظرون إلى واقع إرهاب الدولة الذي تمارسه إيران وتأثيره على دول الخليج؟ - السياسة الإيرانية وسوء نواياها، سواء مع دول مجلس التعاون أو الدول العربية وتدخلاتها في العراق وسورية واليمن، تشوبها الكثير من الشبهات، والشر الذي تضمره إيران للمنطقة، واضح في تصرفاتها وعلاقاتها. بلا شك أن إعلان أحد مسؤولي النظام الإيرني بأن بغداد هي عاصمة الامبراطورية الفارسية الجديدة، يحتم أهمية ودور دول مجلس التعاون في صد مثل هذه الخطط والنوايا. منذ الثورة الإيرانية في 1979 إلى يومنا هذا إيران لم تبدِ أي بوادر حسن نوايا لدول العالم العربي ودول مجلس التعاون خصوصا، واستثمرت كل نقاط الضعف وحالات الفراغ وتخلخل موازين القوى والأحداث الطارئة لتحقيق أجنداتها في الدول العربية. السياسة الجريئة للمملكة دفعت طهران لارتكاب أخطاء سياسية فادحة إيران كانت دائماً تنوي بناء امبراطوريتها المزعومة، انطلاقا من تشييع كل المنطقة، ليس لغاية دينية أو مذهبية حقيقية وإنما لنشر سيادة وسيطرة ونفوذ باستخدام أداة الطائفية والمذهبية، وبالتالي ادعاءات إيران جميعها برعاية من تسميهم "الشيعة المضطهدين في دولهم"، وحمايتهم، ومحاولة تزعم المذهب الشيعي في المنطقة. *هل تملك إيران الإمكانات والبيئة المناسبة لتحويل هذا الحلم الإمبراطوري واقعاً؟ -لا تملك ذلك بالتأكيد؛ لأن العالم الشيعي في المنطقة هو عالم عربي أولاً وآخراً، ولم يكن فارسياً قط. لا يمكن مقارنة قم ومشهد بالنجف وكربلاء، هذه نواحي عربية بحتة بعيدة عن المذهبية وبعيدة عن الفارسية، وبالتالي إيران اليوم تظهر إعلامياً بصورة الدولة القادرة وهي صورة لا تعكس واقعها الحقيقي. إيران لم تحقق خلال العقود الماضية من طموحاتها ومخططاتها شيئاً يذكر، إنما استفادت من أوضاع وثغرات موجودة أصلاً، سواء بسبب فراغ سياسي في بعض الدول العربية واستفادت منه، ولكنها هي ذاتيا لم تستطع خلال السنوات الثلاثين الماضية، تحقيق أي انتصار أو مكسب أو حتى ردود فعل ناجحة طوال هذه الفترة، والدليل على ذلك وضعها في سورية. *هل هناك ما يسند حديثك عن فشل إيران في سورية؟ -نعم، إن دخول روسيا إلى الساحة السورية دليل قاطع على أن إيران فشلت في سورية، واحتاجت إلى غطاء ومساندة روسية، على رغم من أنها دخلت بثقلها الكامل في المشهد السوري واستعانت أيضا بحزب الله إلى جانب المليشيات العراقية المذهبية وغيرها من قوى المرتزقة الأفغانية والباكستانية والإفريقية، لكنها باءت بالفشل، فاستنجدت بروسيا. أيضاً للتدخل الروسي في سورية دلالة قوية على ضعف إيران عموماً، وعدم قدرتها خصوصاً على فرض نفوذها وسيطرتها في الداخل السوري على رغم كل ما جلبته من عدة وعتاد وما استثمرته من ثغرات. *بالانتقال إلى الأحداث الجارية حالياً، وتحديداً الاعتداءات الإيرانية على الكثير من السفارات، وآخرها السفارة السعودية، كيف تفسر هذه الاعتداءات؟ -في الواقع التحرك السعودي فاجأ إيران بإعلان إعدام نمر النمر، خصوصا أنها هددت منذ أشهر بأن نمر خط أحمر، وأن أي تحرك ضده سيكون له عواقب وخيمة، وسيتبعه تحرك إيراني على مستويات مختلفة محليا ودوليا، فكانت المفاجأة السعودية التي لم تبالِ بهذه التصرحيات، مربكة لسياسة الخارجية والداخلية الإيرانية، لم تصدق إيران ولم تكن تتوقع بتاتا أن تتخذ المملكة هذه الخطوة المهمة والجريئة التي تحمي المجتمع السعودي من آفات الإرهاب. هذا الإرباك السعودي للنظام الإيراني دفع إيران إلى اتخاذ بعض الإجراءات ومنها دفع الباسيج الإيراني إلى الاعتداء على البعثات الدبلوماسية السعودية في مشهد وفي طهران، فوقعت في خطأ سياسي فادح نتيجة ذلك الارتباك. ومثله بالضبط عندما اربكت السعودية إيران بإطلاق عاصفة الحزم، لصد عدوان الحوثيين وأتباع المخلوع علي صالح على الشرعية اليمينة. هذه الارتباك ولد هذه الأخطاء، فبدأت أولاً في دفع الباسيج للاعتداء على السفارة، ومن ثم انتبهت إلى ذلك الخطأ، وحاولت معالجته بتصريحات مرتبكة من مسؤوليها، ومربكة للسياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، فهي لم تقل شيئا واضحاً بالنسبة للعلاقات مع السعودية ودول الخليج أو مع الدول العربية. النظام الإيراني يعرف أنه ليس بحاجة لصنع سلاح نووي لأنه لا يستطيع استخدامه *ماهي دلالات هذا الارتباك؟ -يدل ببساطة على ضعف إيران، ليس عسكريا فقط، وإنما سياسيا أيضاً في داخلها وخارجها. يمكن القول أن سياسة المملكة هي التي عرت ساسة إيران أمام المجتمع الدولي وفضحت سياساتها الهمجية، وهاهي تتعرض نتيجة ذلك إلى إدانة عالمية واسعة من كافة اطياف المجتمع الدولي بدوله ومنظماته. لقد وضعت السعودية إيران أمام حقيقة تاريخية هي أن اعتداءاتها الاثمة المتكرة على السفارات والبعثات الدبلوماسية يؤدي إلى زعزعة ثقة العالم فيها، ويؤدي إلى فضح همجيتها بعدم التزامها بالقوانين والموثيق الدولية التي تلتزم بها كل الدول ذات السيادة والاحترام. *هل يمكن أن يؤدي هذا الى خلق موقف دولي حازم ضد إيران؟ -نعم، بالتأكيد إن تكرار الاعتداءات الإيرانية على السفارات الاميركية والبريطانية والباكستانية وآخرها السفارة السعودية وقنصلية المملكة، تضعف موقف إيران دولياً، وتخلق موقف موحد ضدها بأنها لا تملك حجة في كل قضاياها وكل دعواتها. اعتقد في الحقيقة أن الربكة في التركيبة السياسية الإيرانية بدأت من اليمن وهاهي تستمر. *هل كان للتحالف الاسلامي اثر في هذا الارتباك السياسي الإيراني؟ -اعتقد أن التحالف الإسلامية ورقة وأداة رابحة في يد الدول الاسلامية والعربية، وضربة أيضاً مربكة وفاضحة لساسة النظام الإيراني، إن عدم دخول إيران في هذا التحالف والمشاركة فيه تؤكد أنها دولة راعية وداعمة للارهاب، وهذا يفند ما تدعيه إيران في حربها ضد الارهاب في العراق وسوريا، ويكشف أنها تخوض حربا طائفية مذهبية بحتة، وليس لمثلها علاقة بالحرب ضد الارهاب بتاتاً. قطع العلاقات *كيف تقرأون اثر الحراك الدبلوماسي الذي يستهدف إيران حاليا، والذي بدأته السعودية بطرد السفير الإيراني؟ - هذا التحرك احرج الإيرانيين وكشف الاوراق. نحن في البحرين نختلف عن غيرنا من الدول لان تدخل إيران فينا مباشر وسافر، محاولة لتغيير نظامها إلى النظام الإيراني، التحرك الحالي سيتوسع بسبب انكشاف سياساتها الهوجاء، وغرورها الذي نما بلا شك عن طريق تلك السيطرة التي استطاعت إيران في بعض الدول العربية. اعتقد أن التحرك القادم سيكون في انضمام دول عربية وإسلامية اخرى إلى السعودية والبحرين والسودان، وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، هذا هو المتوقع والمؤمل من بعض الدول الصديقة والحليفة. *ودول التحالف الإسلامي ضد الارهاب، هل تتوقع انضمهامها لهذا التحرك؟ -نأمل ذلك ونتوقعه من دول التحالف الإسلامي، لأنه سيكون الانطلاقة الفعلية لتأسيس بنية قوية من التعاون العسكري والسياسي الكامل ضد الارهاب بكل صوره واشكاله. *هل ستحاول إيران سلك المسلك السلمي والسياسي وتكف عن تدخلاتها مستقبلا، أم أنها ستصعد مواقفها؟ -إيران ستبقى دائما تخوض حربها الإعلامية ومراوغاتها في استغلال المواقف ونقاط الضعف والفراغات التي تتركها دول مجلس التعاون تحديدا ودول العالم العربي عموماً، مثل ما حدث في العراق ولبنان، لكن عندما نشد العزم على إيران فأنها ستتراخى وتتراجع. ليس هناك في الحقيقة قوة إيرانية قادرة على التصعيد، حتى سلاحها النووي الذي تعتزم صناعته هو أيضا سلاح إعلامي، وهي تعرف أنها ليست بحاجة لصنع أي سلاح نووي لأنها لا تستطيع استخدامه، وتعرف أنها لو استخدمته سيدمرها قبل غيرها، وهو استمرار لمزايداتها وادعاءاتها في تطوير الاسلحة والاختراعات العسكرية. يجب تحصين الشباب من التطرف وتعزيز قيم الاحترام والتعايش لحماية مجتمعاتنا هذه الأدوات الإعلامية لن تكون واقعاً ابداً، فليست هناك بنية عسكرية فعلية تسطيتع من خلالها إيران أن تقف وتصمد في حرب معينة. *ماذا لو فعلت أو افتعلت إيران مثل هذه الحرب؟ -إذا ما حاولت أن تخلق حرباً في المنطقة فستكون نتيجتها الأولى سقوط النظام الأيراني. بسبب أولاً تنامي مشكلاتها الداخلية، فإن اندلاع أي حرب ستؤثر مباشرة على النظام السياسي الإيراني الداخلي. يمكن ملاحظة بجلاء أنه في مجرد حادثة قتل بعض العناصر الإيرانية من الجيش الإيراني او الباسيج، تجد ردود فعل داخلية قوية جدا وتعلوا أصوات الشعب الذي يسأل نفسه، ماذا نجني من هذه الحروب؟ خصوصاً أن المواطن في الداخل الإيراني يعاني مستوى متدن جداً في المعيشة. إيران باختصار لن تدخل حرب، فحربها اعلامية بالدرجة الاولى، وسلاحها الأولى هو للاسف الشديد تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي في المنطقة، فهي من ناحية تدعم اطراف متطرفة محسوبة على المذهب السني مثل داعش والقاعدة، وفي المقابل تدعم اطرافاً محسوبة على المذهب الشيعي مثل الحشد الشعبي وغيره، فتكون هي المستفيد الأول من الحرب التي يخوضها بعض العرب مع بعضهم. *إذن كيف يمكن رفع الوعي الشعبي العربي تجاه هذه المخططات التخريبية الإيرانية في المنطقة؟ -يجب في البداية أن نركز على الشباب، الشباب في الحقيقة هو المستهدف الأول، وهو من يستغل غالباً في حمل السلاح وخلق الفتن. إن توعية الشباب وتحصينه ضد هذه التطرف الذي يتم تغذيته من اتجاها عدة، هو خطوة أولى لصد هذه المخططات وحماية دولنا منها، ثم يأتي بعدها زرع قيم التسامح في مجتمعاتنا، ونشر الوعي في ما بيننا، وتعزيز الاحترام والتعايش، سيسد اي ثغرة تحاول أي دولة أو منظمة استغلاها أو الدخول منها لاستهداف أمن دولنا ومجتمعاتنا، هذان سلاحان رئيسان لحماية مجتمعاتنا العربية والخليجية من التطرف والارهاب وكيد الأعداء، يليها ثالثا قطع الطريق على تمويل الارهاب، فتمويل الارهاب هو ما يمكنه من الاستمرار ويعطيه فعالية وقوة. *العلاقات السعودية البحرينية، نموذج مصغر لاتحاد خليجي، نأمل اكتمال عقده قريباً، كيف تصف هذه العلاقة، خصوصاً في ظل هذه الأزمات والتطورات في المنطقة؟ -البحرين عاصرت ازمات متواصلة منذ قيام الثورة الإيرانية، وخلال هذه الأزمات كانت وما تزال المملكة العربية السعودية واقفة معنا دائماً، ربما لم يشعر أحد بهذا في السابق علنيا، لكنه كان موجوداً. كان الشعب البحريني يعلم من حينها أن عمقه الاسترتيجي هو السعودية. وبعد تطور الأحداث والحوادث وصولاً إلى ما سمي ب"الربيع العربي"، ظلت السعودية على موقفها القوي في دعم البحرين وسيادته وشعبه، ولا ننسى ذلك الموقف التاريخي عندما حركت المملكة قوات درع الجزيرة لحماية الشعب البحريني. يقابل ذلك أيضاً الموقف البحريني تجاه المملكة الذي نعتبره موقفا استراتيجيا مهماً، وذو بعد مستقبلي، وكما نشعر نحن أن المملكة هي عمقنا الاستراتيجي كذلك اعتقد ان دولة البحرين هي مفتاح المنطقة، ويجب حمايتها، إضافة إلى ما يوجد طبعا من بنية تحتية وقاعدة سياسية واجتماعية متينة تربط بين البلدين الشقيقين.