تتداخل القهوة في تفاصيل حراكنا اليومي منذ بزوغ خيوط نور الفجر، فهي حيناً تشرب استفتاحاً لإفطار الصباح رغم علم شاربها بقدرتها على إشباعه الذي يؤدي إلى حرمانه من صنوف طعام مائدته التي يستمد منها جسمه الطاقة المطلوبة. وهي حيناً آخر رفيقة للإفطار رغم وجود أصناف أخرى قد تكون أكثر فائدة منها كعصائر الفواكه الطازجة. وهي تارة توأم لقراءة الصحف رغم وجود ابن عمها الشاي بأصنافه المختلفة، وتارة أخرى تعتبر صاحبة للحظات ترقب وحي الكتابة حتى أصبحت طقساً لا يستطيع راشفها أن يؤلف سطراً دون أن يرشف منها ما يؤهله لدخول عالم كتابته. وهي مع كل هذا أصبحت أيضاً بمسمياتها المختلفة عناوين لكثير من المؤلفات الحديثة. للقهوة رائحة تستطيع أن تلغي روائح كل العطور العبقة وغير العبقة، فهي بهذا التميز الذي تختص به دون سواها أخذت محل الصدارة في محال العطور تماماً كما يتخذ بعض رواد الفكر والثقافة حين يلتبس عليهم أمر قضية ما في التفريق بين هذا الحدث وذاك فيخلطون الحابل بالنابل فلا تلد أفكارهم بعد سكوتهم الطويل ذاك الجبل الذي ولد فأراً ولا يسمع لصمتهم المرتفع حين يطلب منهم الموقف الحق رأياً واضحاً يبين رائحة طحين ما كان يملأ أصواتهم عند قعقعة ضجيجهم قبل انتشار رائحة قهوة سكونهم وسكوتهم التي ألغت كل ما كان يجب أن يصرحوا به نصرة للحق ودفاعاً عن ثوابت العروبة والوطن الذي يعيشون على ترابه. دائماً نحن على امتداد رقعة خارطتنا العربية نشرب القهوة حيناً ونحتسيها حيناً آخر ولا ضير في ذلك طالما أن المبادئ تحتم علينا الوقوف مع الحق وتقر لنا أن يغني كل منا على ليلاه بطريقته التي يشاء حتى وإن لم تقر ليلى بذاك الوصل لأننا دائماً نردد وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك دون أن نعلم بأن بعضنا هم أولئك الكل الذين يدعون وصل ليلى التي لم تقر بوصالهم الذي يشبه رائحة القهوة التي تلغي الأمس وليلى جزء من الأمس الذي يجب ألا ينسى. كلنا نحب القهوة ونحب رائحتها التي تنعش ذائقتنا وتدعونا إلى أن نقرأ للجاحظ والبحتري وأبي تمام والفارابي ونجيب محفوظ وأن نفتح أبوابنا لرائحة كل قهوة لا تقضي على رائحة منجزهم ولا تمسح رائحة كل جديد وحديث وجميل ومفيد في عصرنا الحديث على مستوى خريطة العالم وأن تكون رائحة قهوة فكرنا وثقافتنا قادرة بذات الوقت على القضاء على روائح الفكر الضال وأصحاب الشائعات المغرضة وأن نستنشق مع رائحة القهوة رائحة هيل الإبداع وزعفران الابتكار وزنجبيل كل ما يدعونا إلى معرفة حاضرنا والدفاع عن منجزنا وعن قضية الساعة التي نعيشها فننبري جميعاً نحن الأدباء والفنانين والإعلاميين بكل وضوح إلى مسح آثار الفكر الضال من كل العالم وأن نصوغ الشذا والعطر الذي يستطيع دحض رائحة قهوة المضلين. هل سنستنشق قريباً على سبيل المثال شذا وعبق القصيدة الفصحى التي تأخرت كثيراً عن دورها المطلوب بوقوفها في صف القصيدة المحكية التي عبرت بكل وضوح عن عاصفة الحزم والأمل ونثبت للكون أن رائحة قهوة الشعر تؤمن بدورنا النبيل والشجاع في عاصفة الحزم والأمل ولا تلغي الدور المناط بجميع شعراء الشعر الفصيح في حب الوطن والقيادة الرشيدة، فإن رائحة قهوتنا تبقي عبق الحق. aaa_alhadiya@hotmail.com