منذ أن أعلنت وزارة الداخلية في بيان رسمي لها يوم السبت الثاني من يناير 2016 عن تنفيذ حكم الإعدام بحق 47 إرهابيا، لقيامهم بعدد من الجرائم التي ثبتت عليهم شرعا، وأدينوا بمسؤوليتهم عنها، وصدرت بحقهم أحكام شرعية من القضاء تقضي بقتلهم حدا أو تعزيرا، منذ ذلك الوقت وردود الفعل العالمية والمحلية تتفاوت حول هذا الأمر، بين مؤيد ومعارض، ومندد بحجج لا تخلو من الكيل بمكيالين أو بنفس طائفي بغيض. أعلنت وزارة الداخلية أسماء أولئك الإرهابيين وذكرت جرائمهم دون أن تتعرض لذكر قبائلهم أو مذاهبهم، ودون أن تلمح لها أو تنوه أنها كانت سببا في استحقاق هذه العقوبة، رغم أنه كان من بين الـ47 قتيلا طرفا نقيض من المذهب السني والمذهب الشيعي "فارس الشويل ونمر النمر" تشاركا في جرم واحد، وهو إشاعة الفوضى والتحريض على أمن واستقرار النظام والدعوة إلى الخروج على ولاة الأمر، سواء بالانضمام إلى تنظيم القاعدة وتنفيذ أجندته وأعماله داخل البلاد، من ترويع للمعاهدين واستباحة دمائهم ودماء أفراد الأمن، أو عن طريق الدعوة لاتباع ولاية الفقيه التي ترعاها إيران، وتحريض العامة على الخروج على الدولة والمطالبة بإسقاط الحكم. كلاهما، كما يظهر، وجهان لعملة واحدة، يكمن خطرها في المساس بأمن هذا الوطن واستقراره، كل بطريقته في تجنيد أتباعه ومريديه. ولكن النائحين على هؤلاء الهالكين لم ينظروا للأمر من زاويته الأمنية ومن المصلحة العامة للوطن التي رأتها حكومة البلاد ووافقتها الشريعة الإسلامية، وتقتضيها ضرورة سيادة الأمن والاستقرار، بل ألبسوها بعدا مذهبيا آخر بعيدا عن الحقيقة خاصة في جانب الهالك نمر النمر، وما ظهر جليا عقب تنفيذ الحكم فيه من ردة فعل للحكومة الإيرانية وتنديدها بمقتله، والتهاون في المحافظة على سلامة سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد، والتصريحات المسيئة التي أطلقها مرشد الجمهورية الإيرانية وتلميذه حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله في لبنان. على أن المتحدث الرسمي لوزارة العدل الذي شارك في المؤتمر الصحفي الذي عقد مع متحدث وزارة الداخلية يوم تنفيذ الأحكام في الإرهابيين، أكد أن القضاء يُطبق قواعد قضائية ولا ينظر إلى انتماء سني أو شيعي، ولكن إيران ومريديها تأبى إلا أن تتدخل في الشأن الداخلي للبلاد كعادتها، والتطاول على سيادة الدول مستخدمة الطائفية طريقا لها ينخدع به الموالون لأهدافها. انقادت بعض وسائل الإعلام الغربي للنفس الطائفي الذي خلقته إيران عقب تنفيذ الأحكام وادعت أن نمر النمر معارض سياسي وصاحب رأي، وركزت على اسمه دون بقية الأسماء، وفي هذا انحياز فاضح للطائفية التي استطاعت إيران وأذرعتها الإعلامية أن تتركها لدى الغرب، على الرغم من تضرر بعض رعاياهم من العمليات الإرهابية السابقة في الداخل التي تبناها وقادها هؤلاء الـ47، وما تعانيه الآن من تهديدات إرهابية ينفذها من يحمل الفكر نفسه الذي يحمله أولئك الذين أقيم عليهم الحدّ، وفي هذا كيل بمكيالين على حساب الحقيقة والأمانة الإعلامية. فهم ينتقدون سياسات المملكة الداخلية التي تحرص خلالها على استقرار أمن الوطن وسلامته، ويتغافلون عن العمليات الإجرامية ضد الإنسانية في دول الجوار، ويقفون منها موقف المتفرج، خاصة تلك التي تسهم فيها إيران بشكل مباشر وغير مباشر. في الداخل، اعترضت بعض الأصوات على عمليات الإعدام بوصفها عملا "دمويا" و"لا إنسانيا"، متخذين فكرة الدفاع عن حقوق الإنسان سببا لإدانة هذه الخطوة، والتباكي على القتلى بوصفهم الإنساني، هؤلاء الفئة أسميهم مراهقي الحقوق والفكر، ينظرون إلى الأمور من زوايا ضيقة تخدم تفكيرهم الخاص بمعزل عن الأساسيات الضرورية في الحياة، وأهمها الأمن والاستقرار ومصلحة الوطن. بالتأكيد، ليست الدولة ولا الدين الإسلامي الذي تقوم عليه يهدف إلى سفك الدماء وحصد الأرواح، ولكنها صيرورة التاريخ في كل جهات الأرض، ومع كل الأديان بأن القاتل يُقتل، ولسنا بدعا من الخلق. أخذ الحق بالقصاص من المجرمين الذين استهانوا بأرواح الآخرين، وحرضوا على قتلهم لاعتبارات أيديولوجية ومذهبية أو شخصية، والذين تركوا خلف غدر إجرامهم قلوبا مكلومة وأسرا تنتظر من ينتصر لمن فقدوهم، هي سنة الله التي أوضحها في كتابه الكريم بأنها "حياة"؛ "ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب". "البقرة: 179". على مراهقي الحقوق هؤلاء أن يميزوا الفرق بين صاحب الحق وبين الإرهابي، وأن يقيسوا الأمور التي تتعلق بالأمن الوطني بميزان المصلحة والقوة لا الضعف والتخاذل الذي يخدم الأجندة الخارجية والجهات المعادية التي تتصيد في الماء العكر كل ما يمكن أن يسيء إلى الوطن في أوقاته الحرجة ومنعطفاته الخطيرة. عليهم ألا يخجلوا من الوقوف في صف الوطن، ولا الانتصار له، فهذا هو الأساس الذي تقوم عليه الإنسانية الحقيقية، وليست تلك المدعاة التي تفرضها منظمات لم تتكون إلا بعد سنين طوال من المذابح والحروب الطاحنة لمصلحة أيديولوجياتها التي تخلت عنها مؤخرا. صراخ إيران وأذيالها الذي يعلو على قدر ألمها، وقلة حياد الإعلام الغربي في تناول قضية إعدام الإرهابيين، ونعيب مراهقي الحقوق الذين ينظّرون ضد مصالح الوطن لن تكون عقبة أمام المخلصين الذين تقودهم محبة أوطانهم للوقوف معها، وتأييد مواقفها في الضرب بقوة على كل عابث ومتطاول وإرهابي قض مضجع الوطن، وظن أن يد الله والعدالة ستنساه.