لم يكن طارق كفالة يخطّط، أو حتّى يدرك أنّه سيكون يوماً ما مديراً عاماً للقسم العربي في «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي). صحيح أنّ خبرته الصحافية الفعلية الأولى كانت في «بي بي سي» العربية حيث تنقّل خلال عشرين عاماً بين مناصب مختلفة فعمل مراسلاً صحافياً ومنتجاً للبرامج ومحرراً، ثم شغل منصب رئيس تحرير شؤون الشرق الأوسط لموقع «بي بي سي» باللغة الإنكليزية، لكنّ مسألة الإدارة لم تخطر في باله. يقول لـ»الحياة»: «كنت أدير دورة تدريبية في ليبيا قبل أن أعود إلى لندن حيث وجدت عملية تجديد تحصل في المحطة، فعُرض عليّ منصب المدير العام، وقررت أن أستفيد من هذه الفرصة». ويضيف: «تاريخ المحطّة قديم جداً، ولها قصة طويلة وعميقة كما لها تأثير كبير في أذهان الناس. أمامي الآن فرصة للتجديد والتحديث لتصبح المحطة أقرب إلى حاجة المستمع والمشاهد والقارئ العربي. وسأكون فخوراً إذا كان لي دورٌ في تقدّمها». هل واجهته صعوبات لم يكن يتوقّعها؟ يقول انّ صعوبات إدارية كثيرة فوجئ بها، ويشير الى أنه بدءاً من السنة المقبلة، سينتقل مصدر التمويل من وزارة الخارجية البريطانية إلى تمويل دافعي رسوم رخصة التلفزيون في المملكة المتحدة، وهو مصدر التمويل نفسه لـ»بي بي سي» الأم، و»نحن لا نعرف بعد تأثير هذا الأمر علينا» يقول كفالة، قبل أن يتابع: «لكنّني فوجئت أيضاً بأمور إيجابية، فاكتشفت مثلاً طاقات عند الصحافيين المنتشرين في أنحاء العالم العربي، لم أكن أعرف عنها قبل أن أتولّى منصب الإدارة». هل حدّد، بشكلٍ واضح، سياسة المحطّة في تغطية أخبار الثورات العربية وما يحصل في العالم العربي؟ «ما من سياسة شاملة لتغطية أخبار الثورات، بل هناك سياسة شاملة لإيصال الخبر عبر البرامج الوثائقية والحوارات التحليلية، كما عبر نشرات الأخبار»، يقول طارق، مضيفاً أنّ «كلّ دولة وكلّ ثورة تفرض طريقة مختلفة للتغطية، بالتالي فإنّ رسم خطّة موحّدة يُعتبر استسهالاً وقلّة احتراف». وماذا عن بطء المحطّة في تغطية الأخبار العاجلة، حتّى إنّ بعضهم ذهب إلى القول إنّ «بي بي سي» هي آخر مَن يعلَم وآخر من يُعلِم؟ يجيب أنّ المحطّة متشدّدة جداً بشأن صحّة الأخبار التي تنقلها، وترفض الوقوع في الفخ الذي غالباً ما تقع فيه المحطات المنافِسة حين تنقل خبراً، ثمّ تعمد بعد ساعةٍ إلى نفيه أو تصحيحه. «قد نتأخّر قليلاً في نقل الأخبار ريثما نكون تحقّقنا تماماً من مصدره ومن دقّته، لذلك نفضّل أن نحافظ على سمعتنا في أن نكون دقيقين من أن نكون سريعين، مع العلم أنّنا نعمل بدقّةٍ وبأسرع وقت ممكن». هل يوافق على أنّ المحطّة العربية لم تستطع أن تخترق الجمهور مثلما فعلت الإذاعة؟ يجيب: «أوافق على أنّ نسبة المستمعين أكبر من نسبة المشاهدين، ولكن ليس لأنّ المحطّة ضعيفة أو لأنهاّ مقصّرة في عملها». ما السبب إذاً؟ يشرح أنّ المحطّة حين تغطي حدثاً ما، تفعل ذلك بتوازنٍ وموضوعية، وبحسب ما يرى، فإنّ المشاهدين اليوم لا يهتمّون بالتوازن بمقدار ما يبحثون عن مشاهد قوية، أو حتّى عنيفة، وعن أخبار تميل إلى رؤيتهم، خصوصاً في المواضيع الحساسة. «المشاهِد يبحث عن المحطّة التي تقول له ما يريد أن يسمع، وليس التي تنقل إليه الواقع كما هو»! لكنّ طارق كفالة مطمئن لأنّ عدد المشاهدين يتزايد سنةً بعد سنة، ولأنّ سمعة المحطّة لا غبار عليها. أين نجحت محطّة «بي بي سي» العربية وحقّقت ما لم يستطع الآخرون تحقيقه؟ يجيب كفالة بموضوعية أنّه يدرك تماماً أنّ تمويل المحطات المنافِسة أكبر بكثير، «وهذه حقائق لا يمكن إنكارها»، ولكن قوّة «بي بي سي» العربية تتجلّى في الدقّة وفي عمق معالجة الحوادث والأخبار وفي المواضيع التي تتطرّق إليها. «نحن ننجح كثيراً في البرامج الوثائقية وفي الحوارات التحليلية إذ نستطيع بسهولة أن نستقبل كلّ الأطراف المتنازعة وأن نفسح لها في المجال للتعبير عن رأيها». ويعطي مثالاً أنّ الإسلاميين في مصر لا يُستقبلون بسهولة على المحطات الإخبارية المنافِسة، في حين أن بإمكانهم التعبير عن رأيهم عبر محطّة «بي بي سي» العربية، بغضّ النظر إن كانت المحطّة تؤيّد آراءهم أو ترفضها. أخيراً، يعلن طارق كفالة أنّ الشهرين المقبلين سيشهدان تغييرات لافتة في المحطّة وفي الإذاعة، إذ يتمّ حالياً التحضير لبرامج جديدة «ستجذب الجمهور العربي وتنال إعجابه وتقديره».