تبدأ السنة الميلادية الجديدة وهي لا تبشر بكثير من الأمل للعرب، خاصة عرب المشرق. فهناك حروب لا يريد المجتمع الدولي أن يقوم بحلها، بل وتريد القوى المتنافسة في ذلك المعسكر الدولي أن تستفيد منها وتستغل مجرياتها أكثر ما يمكن من الاستفادة، لتحقيق أهداف تكتيكية لها، وهي حروب في العراق وسوريا وليبيا أيضًا.. وهناك حرب أو حروب يريد المجتمع الدولي أن ينساها، على رأسها الحرب في اليمن! إذن يفتتح العام الجديد على حروب في المنطقة لا يُراد حلها، وحروب يراد نسيانها، والأخيرة هي ما يمكن تسميته بالفخ اليمني. لماذا فخ؟ لأن الدول العظمى، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، تعتبر الحرب في اليمن تفصيلاً لا داعي له، وزيادة لا لزوم لها، ويجب العمل على تحويل الموقف في اليمن إلى حرب بين قبائل، يمكن لها أن يحارب بعضها بعضًا لعقود من السنين، دون أن يؤثر ذلك كثيرًا على الاستراتيجية العامة لهذه الدول، أو يسبب أي أضرار لمصالحها. عرفنا الآن أن التناطح الغربي - الشرقي، في كل من سوريا أساسًا وبعدها العراق، هو تناطح لتحقيق نقاط تفوق، تستخدم في مناطق أخرى من العالم لهذا الطرف أو ذاك. من هنا نجد أنه في الشأن اليمني يضغط الطرفان (روسيا والولايات المتحدة)، ومن خلال المؤسسات الدولية، على الحكومة الشرعية، وبشكل أقل على الطرف الآخر، بأن يذهب الجميع إلى التفاوض للوصول إلى مكان ما من توازن القوى، لتجميد الحرب إن أمكن، ولكن ليس لحل المشكلة، وتحويل القضية اليمنية إلى قضية إنسانية لا مبدئية. المشروع الحوثي أصبح معروفًا للجميع، وهو ذو مرحلتين؛ الأولى أن يصبح «صانع الملوك» في صنعاء، بتنصيب علي صالح مرة أخرى على مقدرات اليمن، وهو شخص ونظام لفظه الشعب اليمني، في تحرك شعبي واسع، وبعد تلك الخطوة يصبح الحوثي في موقف مثل موقف حزب الله في لبنان، أي أن يتحكم في الدولة ومفاصلها، دون أن يحكم مباشرة!.. بل يكون وصيًا على الحكم وآمرًا له.. ومن خلال وضع كهذا يصبح سلاحًا قابلاً للاستخدام للمصالح الإيرانية متى ما قررت طهران ذلك، وفي المكان الذي تختاره. المفاوضات خلال الشهر الماضي في سويسرا أظهرت ذلك بوضوح، فقد جاء وفد الحكومة الشرعية بمشروع تعليقًا على الورقة التي سميت «محايدة» والتي قدمها ولد الشيخ، الوسيط الأممي، وجاء وفد «الحوثي - صالح» دون موقف واضح ومحدد تقريبًا في كل النقاط المطروح مناقشتها، غير المطالبة بوقف إطلاق النار.. ورفع الحظر عن أموال علي صالح! من داخل الجلسات في سويسرا تبين أن المفاوض الحقيقي هو الحوثي، أما النصف الثاني من الوفد (الممثل لصالح) فقد كان في الغالب تابعًا ومرددًا لما يقوله الحوثي، وله مطلب واحد، رفع الحظر الأممي عن علي صالح خاصة أمواله في الخارج! لم يهتم الحوثيون بتلك النقطة المفصلية لصالح، لأن زعيمهم كان ولا يزال خارج اللعبة الأممية، فهو هناك في مغارة في صعدة، وليست له حسابات بنكية مباشرة أو مصالح خارج حدود اليمن! انحصر معظم النقاش في الجولة الأولى على قضايا إجرائية، وليست هيكلية، من أجل التقدم لحل معقول في اليمن الذي يعاني معظم شعبه اليوم من الفاقة والعوز والموت، فإجراءات بناء الثقة التي قُدمت من وفد الشرعية لم تقابلها أي خطوات إيجابية من الطرف الآخر، حتى لم يردوا على سؤال إنساني واضح وبسيط: «هل المعتقلون عندكم، ومنهم وزير الدفاع وعدد من السياسيين، أحياء أم أموات؟!».. حتى هذا المطلب الإنساني البسيط لم يُرد عليه! المجتمع الدولي من جهة أخرى يُبدي نفاقًا كبيرًا حول ما يعانيه هذا الشعب العربي من تدهور في معيشته اليومية، ففي الوقت الذي يعترف فيه بالحكومة الشرعية، فهو الذي أصدر القرار الأممي 2216 متضمنًا كل تلك العقوبات، وتحت طائلة الفصل السابع، أي إمكانية التدخل الدولي بالقوة، إن لم يذعن المتسبب (في هذه الحالة الحوثي - صالح) في كل هذه الكوارث الإنسانية ويسعى إلى وقفها.. نجد هذا المجتمع الدولي اليوم، وتحت ذريعة تغير المعطيات منذ وقت إصدار ذلك القرار إلى اليوم، يريد أن يلتف عليه، على أساس تحميل طرف (في هذه الحالة الحكومة الشرعية) مسؤولية التقدم إلى الحل السلمي! كان ذلك التقدير الأخير هو أحد أسباب ذهاب الشرعية اليمنية إلى التفاوض في سويسرا، وبعملها هذا فوتت دبلوماسيًا على الأقل الموقف الدولي الملتبس حتى لا يزداد التباسًا، فظهر للجميع تعنت موقف «الحوثي - صالح» أمام الموقف المرن للشرعية اليمنية، لأنها حقيقة ودون رياء ترغب في أن تحقن الدم اليمني فعلاً لا قولاً. الموقف الحالي هو الحديث عن مفاوضات يمنية - يمنية جديدة بعد أيام من اليوم، لكن تلك المفاوضات المقبلة لن تكون بأفضل من سابقتها، فهي محاولة جادة من الحوثي - صالح لصرف الأنظار عن جوهر القضية بإظهار أنها «حرب يمنية ضد معتدين خارجيين»! وبالتالي سوف تفشل تلك المفاوضات مهما حسنت نيات المفاوض الشرعي اليمني. الاستراتيجية التي يتبناها الحوثي - صالح، وليست بعيدة عن التفكير الإيراني وربما الروسي أيضًا، هي أن تُستخدم هذه الحرب لجر الأطراف العربية فيها إلى مكان ما يضطرها إلى تقديم تنازلات في مكان آخر، كما الموضوع السوري مثلاً. إذن الحرب تخاض ليس على أرض المعركة لكن الأهم على الصعيد الدبلوماسي الذي يجب أن تتوافر له رؤية في التحالف العربي النشط المؤيد للشرعية اليمنية. من هنا فإن المأمول أن تكون هناك استراتيجية مضادة لتلك، تنظر أساسًا للحرب في اليمن على أنها ليست إلا دفاعًا عن الشرعية اليمنية، وتحقيق مطالب اليمنيين جميعهم، بالتخلص من النظام السابق ورموزه التي أوصلت اليمن أصلاً إلى ذلك الاحتقان المسموم، وثانيًا ألا يقبل أحد، على المستوى الدبلوماسي، بأن تتحول الحرب في اليمن إلى مكان استنزاف أو حرب منسية يتقاتل فيها اليمنيون إلى آخر رجل. ربما هي المرة الأولى في تاريخ الصراع العالمي التي نجد فيها الموقف القانوني الدولي يتغير بهذه السرعة وبهذا الشكل، من قرار واضح هو قرار مجلس الأمن رقم 2216، إلى محاولة الالتفاف عليه وتفريغه من محتواه، فذلك القرار يعتبر محور «الحوثي - صالح» طرفًا خارجًا عن الشرعية، ثم يدفع بقبوله كمفاوض، وبعدها يحاول الالتفاف على نصوص القرار، بحجة التغير في الوضع الإقليمي! لقاء 14 يناير (كانون الثاني) المفترض بين الشرعية والانقلابيين سوف يصبح شكليًا ومضيعة للوقت إن لم يصاحبه جهد دبلوماسي كثيف يرفض أن يتحول اليمن إلى فخ! آخر الكلام: من اللافت أن وفد الشرعية اليمنية يذهب إلى المفاوضات متقيدًا بكل شروط اللعبة، ويذهب الوفد الانقلابي برغبة مسبقة في عدم التقيد بأي شروط!