مما يلفت النظر لكل من زار معرض جدة الدولي للكتاب تلك الاحتفاليات بتوقيع الكتب، فمنصات التوقيع لا تخلو من كاتب أو كاتبة أو أكثر دشنوا كتبهم وحددت إدارة المعرض وقتاً لهم للتوقيع، فاحتفل أغلبهم مع قرائهم بتوقيع الكتاب وتدشينه، وهنالك دور نشر جعلت أجنحتها منصة لتوقيع إصداراتها، وهنالك "إصدارات خاصة مثل كتاب "لمحات من حياتي" لمؤلفه رجل الأعمال عبدالرحمن فقيه، الذي حقق كبر نسبة مبيعات لكتب "السير الذاتية"، وفق ما تناولته الصحف، حيث قام بتوقيع نسخ من الكتاب في المعرض. العدد كبير من الكتب التي دشنت ووقعت في معرض جدة الدولي للكتاب، وهنالك أعداد أخرى ربما أكثر لكتب أرتأى مؤلفوها عدم التوقيع لتواجدهم خارج مدينة جدة أو ارتباطاتهم، أو اكتمال عدد المرشحين للتوقيع، عموماً هذه ظاهرة مبهجة ودليل على حركة نشر جيدة، الكل يؤلف، أسماء كثيرة غير معروفة في الوسط الثقافي والصحفي اعتلت منصات التوقيع ووقعت كتبها، أغلبها من جيل الشباب رجال ونساء، وجميع مؤلفي تلك الإصدارات فضلوا الورق على الالكتروني، لأن وجود الكتاب الورقي بين يدي المؤلف أو المؤلفة يعطيهم إحساسا بأنه كالقلب النابض والمشبع بالحياة. انتهى معرض جدة الدولي للكتاب، وانتهى صخب البيع والتوقيع، وماذا بعد، ماذا بشأن ذلك العدد الكبير من الكتب الذي تم تدشينه في المعرض، ربما تكون الإجابة أن تلك الكتب ستبقى عند الناشر، وسيحتفظ المؤلف أو المؤلفة بعدد من النسخ للإهداء الشخصي. هل هذا طبيعي، ربما هنالك منافذ للبيع ولكن بكل تأكيد هذه المنافذ المحدودة لن تقتني جميع تلك الكتب لتبيعها، فلديها من الاصدارات العربية والعالمية ما يملأ الرفوف، ويقبل عليه القراء، من المفترض أن تكون مكتبات الجامعات والمكتبات العامة التابعة لوزارة الثقافة والاعلام وبعض المكتبات المتخصصة مهيأة لاستقبل ذلك التنوع في الإصدارات. نحن لم نتكلم عن مكتبة الملك فهد الوطنية لأن مهمتها الأولى جمع وحفظ ما يصدر داخل المملكة وما ينشره أبناء المملكة خارجها، وما ينشر عن المملكة، وما يعد من الموضوعات الحيوية للمملكة من إنتاج فكري عالمي مثل: جمع كتب التراث والمخطوطات والمصورات النادرة والمطبوعات والوثائق المنتقاة، وبالأخص ما له علاقة بالحضارة العربية والإسلامية، يدخل كل ذلك تحت دائرة اقتناء الإنتاج الفكري وتنظيمه وضبطه وتوثيقه والتعريف به. إذا فمن المفترض أن جميع ما تم توقيعه وتدشينه أودع في مكتبة الملك فهد الوطنية، وهذا بحد ذاته مهم، ولكن إضافة إلى ذلك من المفترض أن تستفيد المكتبات العامة التابعة لوزارة الثقافة والإعلام من تلك المناسبات ويتم دعمها بكل ما هو مفيد وجيد من الكتب الحديثة التي قدمتها دور النشر المشاركة في معرضي الرياض وجدة، فمثلا لو دعمت تلك المكتبات مع كل معرض بألف كتاب وهي بكل تأكيد لن تكلف كثيراً، ستكون المكتبات العامة متجددة وجاذبة للقراء، بالطبع مع استكمال تهيئتها وتفعيلها وتجديدها، والكلام عن المكتبات العامة يطول، ولكن كل ما أقوله، لدينا حركة نشر جيدة، ولدينا أجيال يهمهم أن تصل آراؤهم وتجاربهم وابداعاتهم عبر كتب يؤلفونها، ويسعون لتدشينها وايصالها للقراء، فمن المهم أن لا ينتهي هذا الجهد بانتهاء المعرض.