بين البحار والموانئ عاش فهمي السعدون حياته، وقضى خلالها مواقف وذكريات يدونها التاريخ، حين بدأ عمله كمرشد بحري في العراق ثم انتقل للمملكة ليكمل عمله حتى تقاعد، إلا أن قصص البحر ما زالت تراود مخيلته ويحكيها لأبنائه وأحفاده. الكابتن بحري فهمي بن حمود السعدون 66 عاما، بدأ عمله في وظيفة مرشد بحري للسفن والبواخر وناقلات البترول في شط العرب، ويحمل شهادة الإرشاد البحري المعادلة لدرجة الماجستير، حيث تحدث عن طبيعة وظيفته بقوله: المرشد هو من يستلم مسؤولية الباخرة وتوجيه كامل أطقمها من وإلى، أما قائد الباخرة او الكابتن فإنه يبحر بحسب توجيهات المرشد، كما أن مهام ومسؤوليات المرشد البحري كثيرة منها الرئيس ومنها الفرعي ومنها ما يتعلق بمحيط الباخرة أو الناقلة ومنها ما يتعلق بالمحيط والعوامل الخارجية. وعن بدايته قال: بدأت في وظيفة الإرشاد البحري عام 1967 بشط العرب؛ لأني أنتمي لعائلة السعدون التي حكمت جنوب العراق على مدى 400 عام، فبحكم وجودي هناك بالقرب من شط العرب ومعاصرتي ومعايشتي كل تفاصيل النهر والبحر والإبحار أصبح لدي رغبة في الالتحاق بالأعمال البحرية، حيث عملت بميناء البصرة وهو من أقدم الموانئ التي أسسها الإنجليز آنذاك وعملت أيضاً بميناء عبدان جنوب العراق وكانت مرحلة هامة وحساسة؛ لأن الإرشاد في الشط يعتبر أصعب من الإرشاد في البحر؛ وذلك لضيق مساحة التحرك يمنة ويسرة بمقدار لا يتجاوز اربعمائة قدم، كما عملت في ميناء ام قصر وميناء العمير وميناء خور الزبير وميناء الفاو وغيرها من الموانئ، وهي موانئ موازية لشط العرب، ومن ثم تركت العمل هناك وانتقلت إلى المملكة عام 1982م بعد أن ساءت الأوضاع في زمن الحرب العراقية الإيرانية، فرأيت أن أرجع إلى المملكة، حيث يقطن أكثر عائلة السعدون، سواء في الرياض أو في الخفجي، ومكثت في الرياض عاماً كاملاً بالقرب من أحد أبناء عمومتي، وهو اللواء مشاري السعدون. وعندها نما إلى علمي عن طريق احدى الصحف عن احتياج شركة الزيت بالخفجي إلى مرشد بحري، وبالفعل ذهبت وأجريت لي مقابلة وتم الاطلاع على خبراتي ومؤهلاتي وتم تعييني مرشداً بشركة الزيت بالمرتبة «24» وبقيت على وظيفتي من حينها حتى تقاعدت نظاميا. ويقول: عام 1982 كانت الخفجي مدينة صغيرة، وكان سكانها قليلين، والخدمات العامة فيها ومحدودة، وشركة الزيت العربية كانت تغطي معظم النشاطات الاجتماعية والصحية والرياضية والثقافية، والمجتمع كان متآلفاً جداً، رغم اختلاف الشرائح الاجتماعية، وكان أجمل الأوقات فيها هو فصل الشتاء، حيث الطبيعة الخلابة والأرض تكون خضراء وتنتشر المخيمات ويكثر فيها وجود الفقع (الكمأ) وكانت أيامها ممتعة وخلابة. ومن المواقف التي عاصرها السعدون، يقول: حدثت العاصفة الشهيرة التي وقعت في الخفجي بتاريخ18/10/1983م، وتعتبر من اقوى العواصف التي عاصرتها في حياتي، حينها كنت مع الكابتن أحمد عبدالمجيد هيكل -رحمه الله- على ناقلة البترول العملاقة ESSO HAMBURG الألمانية والتي تزيد حمولتها على 300 ألف طن وعند إكمال الرباط على مرسى (رقم 3) الساعة الثانية عشرة ظهراً امتنع الكابتن هيكل عن تركيب خراطيم الشحن؛ وذلك تفاديا لأي طارئ جوي، حيث كانت الاجواء توحي بأن الوضع غير مستقر وان هذه الخراطيم يستغرق حلها اكثر من ساعتين مما يؤدي الى انقطاعها وتسريب كميات كبيرة من الزيت في البحر وحدوث كارثة بيئية خطيرة، بالاضافة الى القيمة المادية لتكلفة هذه الخراطيم وما ينتج عنها من تأخير عمليات التصدير، وقد بقيت الحالة الجوية تحت المراقبة، وفي حوالي الساعة الرابعة والنصف مساء داهمتنا عاصفتان في وقت واحد، إحداهما من الاتجاه الشرقي والاخرى من الاتجاه الجنوبي الغربي وبسرعة فائقة وكانت كميات المطر تنزل بشكل غزير ومخيف مصحوبة بكرات البرد، بالإضافة إلى حدوث إعصار من جهة سطح البحر، والمياه تحيط بنا من جميع الجهات؛ مما أدى الى فقدان السيطرة على التحكم في معالجة الموقف، ونتج عن ذلك انقطاع احد حبال الربط الرئيسية في مقدمة الباخرة والتي تقدر كلفته بـ90 ألف ريال، عند ذلك تركنا المرسى الى منطقة انتظار البواخر خارج ميناء الخفجي، وبفضل الله سلمنا وسلم المرسى والباخرة من أي تلفيات مكلفة.