×
محافظة المنطقة الشرقية

«الداخلية» السعودية: القبض على مطلوب بارتكاب جرائم «إرهابية» - خارجيات

صورة الخبر

يلملم هذا العام أوراقه بينما الشيء الأشد ضغطًا على العالم فيه، هو التطرف بكل أنواعه؛ إذ لا يكاد مقاوموه يحاصرونه في مكان، حتى يكتشفوا أنه قد ظهر في مكان آخر، وكأنه أخطبوط كلما انقطعت له ذراع، نبتت له عشرون ذراعًا! غير أن الشيء الذي يستعصي على الأفهام حقًا، هو أن يأتي التطرف من جانب الذين كنا نتصور أنهم سوف يكونون في طليعة مقاوميه بين أهل النخبة! إنه قد يكون مفهومًا أن تهجم مجموعة من المهووسين بالدين، أو بغيره، على مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية، يوم 7 يناير (كانون الثاني) في أول العام، فيقتلون رجالاً، ويصيبون آخرين، دون ذنب لأي منهم في شيء.. أقول إن ذلك «قد» يكون مفهومًا، لأنك لا يمكن أن تنتظر من مهووس، أو أكثر، فعلاً آخر.. وقد يكون مفهومًا أيضًا، أن تتعرض مسارح، ومطاعم، وملاعب، في باريس، لهجوم مماثل، في ختام العام، وإن كان قد جاء على نحو أكبر، من حيث عدد ضحاياه، ومن حيث حجمه، ومن حيث صداه. هؤلاء، في الحالتين، مهووسون، ولا يمكن أن نتوقع منهم شيئًا آخر بخلاف ما فعلوا، ولا بد أن نقاوم أفكارهم التي بنوا عليها أفعالهم. وما لم نقاوم الأفكار، فإن الأفعال ذاتها مرشحة لأن تتكرر، لأنها في القصة كلها هي العَرَض (بفتح العين والراء)، بينما الأفكار هي المرض! ولست أجد عملاً استطاع أن يعبَّر عن هذه الفكرة، بكل وضوح، وقوة، وصدق، سوى الكاريكاتير الذي نشرته «الشرق الأوسط» للفنان أمجد رسمي صباح الثلاثاء قبل الماضي.. إنني أدعو كل قارئ للصحيفة، إلى أن يعود إليه منشورًا، ففيه كان فرد أمن يفتش واحدًا يبدو من منظره أنه شخص مريب، ولقد انهمك فرد الأمن في البحث بين طيات ملابس الشخص إياه عما عسى أن يكون دليلاً على أنه ينوي ممارسة العنف ضد أي إنسان، وكانت العصا الكاشفة للمتفجرات مُشرعة في إحدى يدي فرد الأمن، وكان المتهم واقفًا أمامه، وقد رفع يديه لأعلى مستسلمًا.. وفي وسط كل هذه التفاصيل، كان الفنان رسمي قد زرع ما يشبه القنبلة في رأس الرجل، فبدت في عمق الرأس، يخرج منها فتيل إشعالها، ليقول لنا الفنان، بكل بيان ممكن، إن الخطر كله هنا في الرأس، وليس في الجسد، مهما كان خطر ما يخفيه صاحبه بين طيات الثياب! إنني أتمنى أن أكون قد نجحت في نقل المعنى الذي أراده الفنان الرسام، أو حتى نقل بعض معناه، لأنك لن تستطيع أن تستوعب المعني كاملاً، إلا إذا تطلعت إلى الكاريكاتير البديع مرات، ومرات! لقد خطر لي الكاريكاتير، ومعناه العظيم، في اللحظة التي كنت أتساءل فيها عما إذا كانت صدفة أن تظهر مارين لوبان رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» في فرنسا، في التوقيت ذاته الذي يظهر فيه دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري الأميركي، في الولايات المتحدة، للانتخابات الرئاسية المقبلة، فيردد الاثنان الأفكار ذاتها، مع ما بين بلديهما من آلاف الأميال! هل هي صدفة أن يدعو ترامب إلى تسجيل أسماء المسلمين في بلاده، ثم يلاحظ أن دعوته لم تستحوذ على اهتمام الإعلام، كما كان يحب، فيقطع خطوات أبعد في تطرفه بأن يدعو إلى منع المسلمين من دخول البلاد أصلاً؟! وهل هي صدفة، أن تسبح لوبان في المياه نفسها، وأن تتجاوب مع ترامب على الشاطئ الآخر من المحيط، وأن يعزف الاثنان نغمة واحدة، في توقيت واحد، وأن يدعو كلاهما إلى معاقبة المسلمين لمجرد أنهم مسلمون، وليس لأنهم ارتكبوا جُرمًا يوجب العقاب؟! الشيء المطمئن في الموضوع ليس أن ما دعا إليه كلاهما قد لقي رفضًا وشجبًا منا نحن هنا في العواصم العربية أو الإسلامية، فهذا طبيعي، وإنما أن الرفض والشجب والاستياء كله قد جاء في بلديهما، وبكل قوة، وليس أدل على ذلك من أن لوبان قد حققت تقدمًا في 6 أقاليم، من بين 13 إقليمًا في المرحلة الأولى من الانتخابات الفرنسية الإقليمية، ثم لم تحقق شيئًا في المرحلة الثانية، بما يعني أن الناخب الفرنسي قد استشعر خطورة ما تدعو إليه قبل أن نستشعرها نحن العرب والمسلمين، فأوقف تقدم حزبها! ولم يكن الحال مختلفًا مع ترامب من حيث حجم استنكار ما صدر عنه، على مستوى البيت الأبيض، وغير البيت الأبيض. والحق أن هذا كله جيد بمعنى من المعاني، ولكن ما هو أهم أننا يجب ألا نركن إلى الهدوء، وألا نطمئن إلى ما حصل من استياء، أو استنكار، لأن علينا مسؤولية أخرى، هي أن نبعث برسائل سياسية وإعلامية إلى البلدين، وإلى باقي بلاد الغرب، في كل وقت.. رسائل تقول بأن التطرف لا يقاومه رافضوه بالتطرف مثله، ولكن نقاومه بنشر أفكار الاعتدال، وبأن نؤكد دائمًا أن مرتكبي العنف في بلادنا، أو في خارجها، إذا كانوا مسلمين في حالات كثيرة، فليس هذا معناه أن الإسلام في أصله، أو المسلمين في عمومهم، يقرون هذا، أو يرضون به، تحت أي حال.. لا بد أن نفعل هذا وألا نملّ من فعله، حتى إذا وصلت لوبان إلى كرسي الرئاسة، عام 2017، أو وصل ترامب إليه، العام المقبل، لا قدَّر الله، كان كلاهما قد أدرك مسبقًا أن العنف بكل أشكاله شيء، بينما الإسلام في جوهره، والمسلمون في عمومهم، شيء آخر تمامًا، ولا صلة بين الطرفين من أي نوع، وإن حاول أهل الشر في عالمنا أن يخلقوا هذه الصلة بشتى أساليب الشيطان!