×
محافظة المنطقة الشرقية

العدالة يصطدم بالنجمـة والقيصومة في استراحة القلعة

صورة الخبر

الحالة التي سأحاول تحليلها في هذا المقال يمكن رسمها في المشهد التالي: طالبة مسلمة تدرس في الولايات المتحدة الأميركية مع طالبات وطلاب من ديانات ودول مختلفة. يأتي النقاش عن الإسلام فتتخذ الطالبة عددا من المواقف مثل: تبني موقف الشارح والمدافع عن الإسلام، محاولة لف الموضوع بأسرع وقت والانتقال إلى موضوع أقل حساسية. الشاهد هنا أن نقاش هذه الطالبة لموضوع الإسلام مع مسلمين آخرين يختلف إلى درجة كبيرة عن نقاشها للإسلام مع غير مسلمين. مع غير المسلمين يغلب الموقف الدفاعي والمتحفّظ في النقاش. من يحاول أن يفتح الموضوع بشكل طبيعي بما يشمل النقد يواجه بطلب عدم نشر الغسيل أمام الأجانب. أذكر أن أحد الزملاء كان يتحدث بالعربية بدلا من الإنجليزية في حضرة طلاب وطالبات دوليين حين يتضمن الحديث نقدا أو تعليقا على مشاكل الإرهاب الديني والصراع الطائفي في منطقة الشرق الأوسط. سأحاول في هذا المقال فهم هذه المواقف من منظور الغيرة على الجماعة. المشهد يمكن تحليله كالتالي في ذهن هذه الطالبة تم تقسيم الناس إلى جماعتين متمايزتين جماعة المسلمين وجماعة غير المسلمين (الذات والآخر)، وباعتبار المشاكل المتزايدة يوميا عن قضايا التطرف والاستبداد في الدول ذات الغالبية الإسلامية فإن هناك شعور داخلي بأن الجماعة الخاصة جماعة لديها مشاكل أو على الأقل متهمة زورا بعدد من القضايا.. المهم أن الشعور واضح بأن الذات في حالة غير جيدة وهذا ما يدفع الأشخاص لموقف الدفاع والمحاماة بدلا من النقاش والانفتاح. هذا التقسيم الثنائي والموقف الدفاعي يحدد موقف الأنا في المشهد وعلاقتها مع بقية الطلاب: الانتماء للجماعة يعني عدم الحديث بشكل صريح للأجانب ومحاولة تحسين الصورة بأكبر شكل ممكن. هناك بعد مهم يجب عدم إغفاله أيضا وهو أن كثيرا من الطلاب من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة لم يعتادوا على فتح الملفات الحساسة بشكل نقدي في تجاربهم التعليمية لذا تفاجئهم هذه الأجواء على الأقل في البداية في تجارب الابتعاث. سأحاول هنا وضع المشهد أعلاه في صورته الأكبر. المعلومات عن الشرق الأوسط أو المجتمعات الإسلامية اليوم متوفرة في العالم كله وبشكل يومي ومباشر، ولدى أي فرد متعلم في العالم القدرة على الوصول لهذه المعلومات. لذا فإن فكرة عدم نشر الغسيل تبدو صالحة لقرون ماضية قبل ثورة الاتصال في العالم، ولذا فإن موقف التغطية ومحاولة الإخفاء يبدو مثيرا للشفقة كمحاولة تغطية الشمس بغربال. غالبا طلاب الدراسات العليا مؤدبون ولكن أذكياء بمعنى أنهم يعلمون تماما بؤس المواقف المتحفظة ولكنهم يحفظون حق زملائهم فلا يعبرون لهم بما قد يؤذيهم. الملاحظة الثانية أن هذا الموقف المحافظ أو الموقف الناتج عن الغيرة على الذات أفسد العلاقة التعليمية كلها. الآخر في الصف لم يعد زميل الدراسة الذي يفترض أن أتواصل معه بأعلى قدر ممكن لأتعرف عليه ويتعرف علي وأستفيد منه ويستفيد مني. هذا الزميل تم تحويله إلى أجنبي فقط لأنه من دولة أخرى أو يدين بدين آخر. تحويله إلى أجنبي جر معه وضع حاجز بينه وبين الذات حجب التواصل وقطع العلاقة. نلاحظ هنا أن الأطروحات المحافظة تسعى دائما لتعزيز دعم التمايز بين الذات والآخر ومقاومة محاولات الاندماج والتواصل المفتوح. تحويل الآخر إلى أجنبي يضعف احتمال التعاون مع هذا الزميل للمساعدة ربما في حل المشاكل المحلية. طلاب وطالبات الدراسات العليا خصوصا في الجامعات الكبيرة في العالم يتحولون إلى فاعلين مهمين جدا في المؤسسات العالمية، وبالتالي فإن التواصل معهم بصراحة ومباشرة فيه فتح احتمال أن يساعد هذا الزميل في جعل الأمور أفضل. لا يعني هذا بالضرورة أن يتحول هذا الزميل إلى مؤيد كامل لرؤية الذات، بل الأهم من هذا أن يسهم بصدق ودقة علمية في تشخيص الواقع بدلا من ترديد الروايات المريحة للذات والداعمة لها لاغتباطها بأنها سليمة ولا تعاني من مرض عضال. هذه العلاقة المتوترة مع الآخر تدفع الفرد باتجاه مشاعر مشابهة لمشاعر الغيرة المجنونة التي تدفع بالفرد للاشتباه في الآخرين وتحويلهم إلى خصوم لا أعوان أو أصدقاء. كذلك تدفع هذه المشاعر الفرد إلى حجب من يحب عن النقاش الصريح والمفتوح. هذا الحجب والتغطية يضران الذات قبل غيرها لأنهما يعيقان حياتها الطبيعية. القضايا الإسلامية في الأخير قضايا عمومية وعالمية وتهم العالم كله والكل لديه حق الحديث فيها. العالم ليس كله جماعة من المتآمرين كما تحاول أيديولوجيات الانغلاق أن تخبرنا. العالم فيه أصدقاء حقيقيون وأصدقاء محتملون لكن لنراهم يجب أن نخرج من منطق الغيرة والاشتباه إلى منطق العدالة؛ حيث يصبح من يسعى للحقيقة بصدق وأمانة ويدرك حقوق الآخرين ليس أجنبيا مهما كانت دولته أو عرقه أو لغته أو ديانته. نشر الغسيل هنا لن يصبح فتح باب للعدو بل فتح نافذة للشمس وفتح باب للصديق الذي يمكن أن يقدم يد العون. هذا الموقف المنفتح على الآخر ليس سهلا خصوصا في أجواء سيطرة أطروحات الانغلاق والمحافظة والارتياب من الآخر التي تؤسس للهويات الصلبة التي لا ترى في المختلف إلا الخطر والخصومة. المصاب بالغيرة يعجز عن رؤية الطرف الثالث خارج صورة من يحاول الاستيلاء عليه. الغيرة الثقافية حجاب عميق ليس فقط بين الذات والآخر بل بين الذات ومن تحب كذلك.