بقلم : د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس مكتب الاقتصادية سفراء لا أعتقد أني بحاجة إلى التأكيد أن استقلالية الجامعات يجب أن تكون خطوة ثانية بعد الانتهاء من إعادة هيكلتها، كما أشرت في مقال الأسبوع الفائت. ولعلي أبدأ مقالي هذا بسؤال جوهري، هل استقلالية الجامعات هدف في حد ذاته أم أن استقلاليتها وسيلة لتطوير عمل الجامعات ورفع مخرجاتها؟ باعتقادي أن استقلالية الجامعات يجب ألا تكون هدفا بذاتها. فالاستقلالية وسيلة لتحقيق أهداف الجامعات وليس العكس. فالأهم من استقلاليتها أن تحقق استقلاليتها أهداف الجامعات البحثية والتعليمية والمشاركة المجتمعية. لذا يبقى السؤال، ما مدى قدرة الجامعات بعد استقلالها من الانتصار لنفسها وتحقيق أهدافها حيث تكون قادرة على التنافسية العلمية وتطوير أدائها وزيادة نموها؟ قد تكون استقلالية الجوانب الإدارية والمالية في الجامعات ليست معضلة في ذاتها، لأن هناك عديدا من الطرق التي يمكن أن تسهم في تحقيق هذه الغاية التي ليس المجال لذكرها الآن، لكن السؤال الأهم، كيف لنا أن نضمن أن تحقق الاستقلالية الأهداف التي من أجلها أقرت؟ الجامعات لدينا تختلف بشكل كبير، فمن جامعات تجاوزت عمر الـ50 عاما، وجامعات لم تتجاوز بعض سنوات. لذا حتى من يرون استقلالية الجامعات، يعلمون الصعوبات الكبيرة التي تواجه هذا التوجه في المرحلة الراهنة. وقد ذكر الوزير جزءا من هذه المخاوف في مقال سابق له بعنوان: لماذا نطالب باستقلالية الجامعات السعودية؟ وذكر فيه وربما يرى آخرون أن الجامعات بوضعها الحالي تشهد أنواعا متعددة من الفساد المالي والإداري تتمثل في المحسوبية في التعيينات والترقيات والابتعاث وترسية المشاريع والانتدابات ومكافآت اللجان وغير ذلك، ولهذا يرى هؤلاء أن الاستقلالية قد تطلق غول الفساد بشكل أكبر ما يصعب السيطرة عليه والتحكم فيه. لذا فإن استقلالية الجامعات تتطلب وجود أرضية. هذه الأرضية تتطلب التمعن في مدى نزاهة وحيادية قرارات الجامعات بعد استقلالها. فمثلا من أجل أن تحقق الاستقلالية أهدافها يجب أن تعاد هيكلة العلاقات بين الأطراف المختلفة داخل الجامعات وإعادة ثقافة الانتخاب لرؤساء الأقسام والكليات والوكالات وخلافه. فأحيانا الاستعجال وحرق المراحل قد يؤدي إلى نتائج أكثر سلبية. ولعل من المفيد الاستفادة من تجربة استقلالية بعض الجهات الحكومية كمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الذي كان لديه استقلاليته شبه كاملة. فمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث كانا نموذجين لمستشفيات التشغيل الذاتي قبل تحويلهما إلى مؤسسة عامة. كما أن المستشفى كان مستقلا عن وزارة الصحة وبقية الوزارات الحكومية الأخرى. لكن عندما تم استنساخ تجربة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في عدة جهات أخرى تسبب هذا الإجراء في نتائج سلبية تمثلت في تخمة إدارية في أعداد الموظفين وضعف في كفاءة الأداء والإنتاجية. بل استثمرت مرونة الأنظمة داخلها لأهداف شخصية خصوصا من قبل بعض المديرين التنفيذيين. هذا الاستغلال أدى إلى ظهور صور عديدة من الفساد وتباين واضح في الرواتب خصوصا الرواتب الإدارية غير المشمولة بالكادر الصحي. لذا لم تحقق تجربة التشغيل الذاتي النجاح نفسه التي حققها مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث -قبل تحويله لمؤسسة عامة- نظرا لاختلاف الأرضية التي نفذ فيها القرار. فأحد أهم أسباب نجاح تجربة التشغيل الذاتي في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث سابقا وجود أنظمة وسياسات صحية داخل المستشفى تمت صياغتها باستقلالية عن الجهات التنفيذية. فكون مشرّع الأنظمة هو من ينفذها ويطبقها يتسبب غالبا في تضارب المصالح وفساد في الإدارة. ولعل وزير التعليم في مقاله سابق الذكر راهن كثيرا على ثلاثة مجالس تقوم بأدوار مختلفة تضمن استقلالية وحيادية القرارات داخل الجامعات ومنها مجلس أعضاء هيئة التدريس الذي ذكر أنه يجب أن ينتخب أعضاؤه بالاقتراع من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، ثم ذكر أن هذه المجالس الثلاثة تشارك في صوغ وإقرار الأنظمة واللوائح الأكاديمية والإدارية والمالية. ولعلي قد أختلف قليلا مع الوزير في مدى قدرة هذه المجالس على تحقيق استقلالية وحيادية القرارات داخل الجامعات؟ فمثلا لم يسهم وجود مجلس إدارة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في رفع كفاءة أدائه بل إن أداء المستشفى بعد وجود مجلس للإدارة أقل مما كان قبل وجود مجلس للإدارة. فوجود مجلس للإدارة أو للأمناء لا يعطي ضمانة كافية لحيادية القرارات أو رفع كفاءة الأداء، بل حتى مجالس الإدارة في شركات القطاع الخاص يوجد بينها تباين كبير في فعاليتها وأثرها في صناعة القرارات داخل الشركات. لذا فوجود مجالس للأمناء لا يعد ضمانة كافية لحيادية القرارات داخل المنشآت أو رفع كفاءتها أو زيادة نموها. كما أن تجربة استقلالية الجامعات خصوصا في العالم العربي لم تكن واعدة إطلاقا بل أدت في حالات كثيرة إلى تكريس ثقافات سيئة وضعف في البحث العلمي وأسست لمبادئ سيئة تمثلت في توريث الآباء لأبنائهم في الجامعات التي يعملون بها. لذا فمن أجل تحقيق استقلالية الجامعات، فإنه يجب أن تكون النظرة للاستقلالية كوسيلة لرفع كفاءة الجامعات وزيادة مساهمتها العلمية والبحثية على وجه الخصوص وليست هدفا في حد ذاتها.