عندما أقدمت على خطوة التقاعد، كنت أضع في الحساب والحسبان أن هناك عجزا متوقعا في ميزانيتي الشهرية. الراتب سينخفض إلى النصف. سأفقد نصف إيرادي الشهري. هذا منعطف اقتصادي حاد! المعضلة الوحيدة التي تواجه المتقاعد هي الوفاء بالتزاماته الشهرية كما هي قبل التقاعد. هناك مصروفات شهرية متنامية. كان هناك دخل مرتفع يغطي هذه المصروفات. كان الفائض من الدخل يتم إيجاد قنوات صرف جديدة له. كان هذا خطأ جسيما. كان يفترض أن أقوم باستثمار الفائض في صناديق استثمارية أو مشاريع توفر لي دخلا سنويا ثابتا. لم أكن أفعل، ربما كنت أظن أن دخلي المرتفع سيستمر، ولن يهتز يوما بقرار التقاعد. توقفت أمام المشكلة الكبرى التي واجهتني وهي ضمان بقاء المصروفات فلا تتأثر بانخفاض الإيرادات. كان بالإمكان خفض المصروفات لتتناسب مع الإيرادات. لكنني كنت عاقلا وأدرك أنه قرار خطير للغاية، إذ لا ذنب لعائلتي بانخفاض إيراداتي، ولا ذنب لهم في عدم قيامي بتنويع مصادر الدخل، ولا علاقة لهم بضياع الفوائض التي كانت تتدفق خلال السنوات الماضية، وعدم استغلالي لها بشكل إيجابي. اتخذت القرار، بألا تتأثر المصروفات، وما زلت في طور التجربة والتجريب! أمس، أعلنت الدولة -أعزها الله- ميزانيتها السنوية لعام 2016، اكتشفت أننا نتشابه في أشياء كثيرة، وأنا المواطن البسيط صاحب الدخل المحدود. إذ لفت انتباهي أمران: الأول: كان بإمكان الدولة خفض الإنفاق العام، وبالتالي سينخفض العجز المعلن. لكن الدولة واصلت إنفاقها المرتفع على المشاريع، وهذا قرار إستراتيجي يؤكد عزمها على استمرار عجلة البناء والتنمية. الثاني: أن الدولة بدأت بشكل أكثر جدية في تنويع مصادر الدخل، والذي يؤكد ذلك هو زيادة الإيرادات غير النفطية بنسبة 29 %. مؤكد أن الحكومة ستبحث عن قنوات لتمويل العجز، والأمر بقياسات النسبة والتناسب ليس سهلا. اسألوا مجرب. أعان الله محدثكم المتقاعد البسيط، وأعان الحكومة الحكيمة بمؤسساتها واستثماراتها وبترولها وخبرائها ومستشاريها.