يجب ألا نستخف بقصص الحب المدمرة؛ فسور الصين انهار فاجتاحته الذئاب البشرية المنغولية من وراء قصة حب، وأسرار الجيش الفرنسي طارت للألمان على يد الراقصة المشهورة الهولندية في الحرب العالمية الأولى ثم أعدمت، وأكثر من قيصر روماني وقع في هوى كليوباترة لدرجة أن المؤرخ كار يكتب عن فلسفة التاريخ تحت لغز أنف كليوباترة، وهناك من عشق من النظرة الأولى، وهناك كما يقول ابن حزم عشق بالسماع، ومن أراد أن يعرف عجائب هذا العالم فليراجع كتابين «طوق الحمامة» لابن حزم، والأسرار الجنسية لكولن ويلسن، وهذا الأمر ليس هناك من أحد محصن ضده بمن فيهم العلماء، ولقد قرأت من قصصهم الشيء المحير، والفلاسفة يحملون أمرين متناقضين؛ نشاطاً جنسياً عارماً وفرامل عقلية جبارة، وهناك من يصاب منهم بالأمراض والقرحات والعقد. ويقول الثعالبي متابعاً درجات الحب الإحدى عشرة، بعد الجوى يأتي «التيم» بتسكين الياء، وهو أن يستعبده الحب، ومنه سمي تيم الله أي عبدالله، ومنه رجل متيم، بعدها تأتي مرحلة «التبل» وهو أن يسقمه الهوى، ومنه رجل متبول، فإذا غاص أكثر بدأ يفقد عقله، وهناك قصص تروى في هذا الصدد؛ فالحب فظيع عجيب، يقول الثعالبي بعدها «التدليه» وهو ذهاب العقل من الهوى، ومنه رجل مدله، ثم الهيوم وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه ومنه رجل هائم. ولكن هل فعلاً الأمر هكذا، أم أنه مجرد تحكم لفظي؟، وهل يقول علم النفس شيئاً في هذا؟ والجواب: إن الواقع أشد مرارة مما عرضناه. ويذكر ابن حزم الأندلسي في كتابه «طوق الحمامة في الألفة والإيلاف» من قصص الغرام -وهو الفقيه المجتهد- ما جعل المتشددين يتعجبون من هذه الثقافة التي تجمع بين الدين والدنيا والفقه والمتعة والعلم والغرام. إن هذا الاستعار الفظيع بين الجنسين وشدة الميل والتلهف هو خدعة كبيرة تقوم بها الطبيعة الإنسانية من أجل الضحك علينا حتى تستنبت من ظهورنا نسلاً جديداً تعمر به الحياة. ويجزم ابن حزم فيقول ما اجتمع رجل بامرأة إلا وحصل بينهما من التكلف والانجذاب أو نحوه، والسبب كيماوي كهربي، ولا يستطيع أحد أن يعاند الفطرة. ومنه شرع الشارع الزواج المبكر واللباس المحتشم والاختلاط المشروط، ويقول الفيلسوف شوبنهاور إن الطبيعة تسحق الفرد ولا تأبه بقدر ما تصون وتحافظ على النوع، فهذا هو السر خلف الطاقة الجنسية التي تقارن بالطاقة النووية وهما أشد طاقات الكون فتكاً وتدميراً.