تصدير واستيراد النفايات تجارة رابحة في العالم تدر مليارات الدولارات لكنها لا تخلو من مخاطر، لذلك وضع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة شروطاً لها وإجراءات تحكم حركتها وسلامتها لجهة التعبئة الآمنة والشحن والنقل والتخزين والمناولة والمعالجة. على سبيل المثال تحصل بريطانيا على 887.465 طناً من الوقود المستخرج من النفايات المعالجة، وتصدر ملايين الأطنان من النفايات المفروزة، من البلاستيك والورق والألمنيوم والأجهزة الكهربائية والحواسيب والهواتف النقالة، إلى السوق العالمية، وللصين والهند نصيب الأسد فيها. وصدرت بريطانيا خلال عام واحد (2014) 13 مليون طن من المعادن المعالجة ساهمت بمبلغ 3.7 مليار جنيه استرليني في الميزان التجاري للمملكة المتحدة. تصدير واستيراد النفايات وفق الشروط والاحتياطات الدولية، ليس حلاً لمشكلة لكنه تجارة رابحة واقتناص لفرصة سانحة لإعادة التدوير وجني الأرباح، ومنع الهدر، وضمان الحفاظ على السلامة والصحة في كوكب الأرض. دخلت أزمة النفايات في العاصمة اللبنانية بيروت شهرها السادس، وتراكمت جبال النفايات في شوارع المدينة الجميلة بعد غلق مطمر الناعمة وتعذر نقل النفايات وتخزينها في مركزي الفرز والمعالجة في العمروسية والكرنتينا. وطرحت خطط وأفكار لمعالجة الأزمة على المديين القصير والبعيد، لكنها لم تنفذ بسبب العجز السياسي الذي يضرب البلد، ورفض الشارع والمجتمع المدني. الحلول المؤقتة التي أقرها مجلس الوزراء في سبتمبر/أيلول الماضي تحت ضغط الشارع،أحبطها الشارع نفسه، ومنعت حركته إعادة فتح مطمر الناعمة مؤقتاً لأسبوع، ورفضت المجتمعات المحلية في عكار والمصنع تحويل مكبين عشوائيين إلى مطمرين صحيين، ورفضت بلديات أخرى مثل صور وصيدا تحمل وزر نفايات بيروت والجبل، ولم تلق مقترحات أخرى مثل استخدام المحاجر والمقالع القديمة كمكبات أي قبول أو حماسة. مع استمرار الأزمة التي فاقمتها أمطار نهاية اكتوبر/تشرين الأول الماضي، تبقى الإجراءات المؤقتة لتسكين الألم والاحتياطات لمنع التأثيرات الضارة، مثل رش جبال النفايات بالجير الحي، والمبيدات المضادة لتكاثر الحشرات والقوارض، والمواد المعطرة لتخفيف حدة الروائح الكريهة الناجمة عن التفاعلات البكتيرية بسبب العفن. آخر ما توصلت إليه الحكومة في جلستها منتصف الأسبوع الماضي، تصدير النفايات إلى الخارج كمخرج لإنهاء الكابوس الماثل، وذلك لقاء 212 دولاراً لكل طن من النفايات ينقل إلى دولة أخرى، على استعداد لاستقبال مثل هذه الشحنات وتملك البنيات الأساسية القادرة على المعالجة وإعادة التدوير، على أن تستمر خطة التصدير لمدة 18 شهراً إلى حين التوصل إلى حلول دائمة ومستدامة. حتى هذه الخطة تحيطها شكوك كثيرة حول نجاعتها وإمكانية تطبيقها في ظل رفض سياسي وشعبي على خلفية الكفاءة والكلفة والجدوى والشفافية. الأزمة - في نهاية الأمر - ليست في النفايات، بل في قدرة الجهاز التنفيذي على مباشرة واجباته وأعماله في ظل حالة من الشلل السياسي الناجم عن تعفن النظام السياسي المزمن المقترن بالفساد والتقاعس. السياسيون في لبنان يأخذون وقتهم بالكامل وهم ليسوا بعجلة من أمرهم في معالجة قضايا الوطن الطارئة والمزمنة، ويتمهلون في نظر الحلول في إطار المحاصصة والوفاق المزعوم، بينما الوقت يمضي والآثار السلبية تتراكم، وأطياف الحلول تتوافر لكن عجز الإرادة السياسية يقعد بها. هل سيكون قدر لبنان دائماً النظر إلى الخارج في انتظار حل لأزماته المزمنة والمتجددة، حتى لو كانت هذه الأزمة بسيطة مثل النفايات، وهي أمر يدخل في نطاق عمل البلديات المعتادة، ولا صلة لها بالمتغيرات الإقليمية أو الدولية. osnim@hotmail.com