لو أن الدول تُقام بالتصويت، لحصل مبدأ قيام الدولة الفلسطينية على نسبة 95 في المائة من أصوات العالم، ولما حصلت إسرائيل، الرافضة للمبدأ، إلا على نسبة قليلة من الخمسة في المائة المتبقية، إلا أن العالم عبر برلماناته يصوّت للرمزيات، تمامًا مثلما يفعل برلمان العالم المسمى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التصويت هناك شبيه بتصويت برلمانات الدول. والفلسطينيون الذين حصلوا قبل أيام على إجماع البرلمان اليوناني بحقهم في دولة، يعانون من قلة التوازن بين تصويت البرلمانات وفاعلية هذا التصويت على الأرض، ذلك لا يعني أبدًا التقليل من أهمية الدعم العالمي الكاسح لمبدأ قيام الدولة الفلسطينية، إلا أن هناك عدم ترجمة لهذا الدعم الكاسح بخطوات عملية ترغم المعترض الوحيد على قيام الدولة الفلسطينية على الإذعان لرغبة العالم وقرارات ممثلي دوله وشعوبه. إن كل دولة صوّت برلمانها لمصلحة الدولة الفلسطينية أو صوّت مندوبوها في الجمعية العامة في ذات الاتجاه، وجدت معادلة توازن غير فعّالة بين قرارات البرلمان والعجز عن تحقيقها، وهذه المعادلة – وأكرر - غير الفعالة، تعتمد على هروب الحكومات من قرارات برلماناتها إلى منطقة دافئة وآمنة، اسمها الوساطة وحث الجانبين على الذهاب إلى تسوية من خلال المفاوضات المباشرة، وهذه معادلة ترتاح لها إسرائيل، رغم تظاهرها بالاستياء، ذلك أن تاريخ الدولة العبرية، مليء بوقائع الإدانات، ما جعل كل الحكومات المتعاقبة في إسرائيل تعتبر الضغط المعنوي مجرد فولكلور يسهل التعايش معه والتعود عليه، ولقد لخّص بن غوريون وغولدا مائير هذه النظرية الإسرائيلية حيال الضغط المعنوي بالقول: «كم دبابة يمتلك الرأي العام العالمي؟ وكم مدفعًا يوجه فوهاته إلى دولة إسرائيل؟». بكل أسف وحسرة أقول إن الفلسطينيين بلغوا حد التخمة من القرارات المؤيدة والداعمة لحقوقهم، وأهمها بالطبع حقهم في تقرير المصير، أي حقهم في دولة مستقلة، فهذا النوع من القرارات تجاوز خانة الآلاف، بل إنه موجود منذ أربعينات القرن الماضي، وفي زمننا هذا حيث نعاني من صعوبة استرجاع جثث «شهدائنا» المسجونة في الثلاجات الإسرائيلية، فقد كان بين أيدينا قرار دولي بدولة فلسطينية مساحتها أكبر من الضفة والقطاع، وتلته قرارات تصب في نفس الاتجاه، دون أن تحقق بعضًا مما يستحق الفلسطينيون، وحتى الحكم الذاتي الذي حصلنا عليه كخلاصة لغنائم أوسلو، يجري تجويفه وتجريفه على نحو يحوله من محطة ما قبل الدولة إلى محطة ارتداد عنها. إن ما يحتاجه الفلسطينيون هو قدر من التوازن بين القرارات ذات النصوص العظيمة وبين جهد دولي أكثر تأثيرًا وفاعلية في أمر قيام الدولة الفلسطينية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وإقامة قدر نسبي من العدل تجاه شعب يعاني من أطول وآخر احتلال في القرنين العشرين والحادي والعشرين. سيظل الفلسطينيون يقولون شكرًا لكل برلمان دعا حكومته للاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلا أنهم وقد بدأوا بذلك فعلاً سيفقدون الحماسة للقرارات وسيتضاعف في داخلهم شعورٌ باللاأهمية وعدم الجدوى، وسيظلون يستذكرون ذلك القول المأثور مع بعض التعديل إلى جانب القرارات البرلمانية والدعاء.. «قليل من القطران».