في مقال سابق الملك سلمان.. وشرق أوسط مضطرب كتبته عند تولي الملك سلمان سدة الحكم، وذلك بعد قراءة للوضع الجيوسياسي والمتغيرات التي تشهدها المنطقة، قلت إن السياسة الخارجية في عهد الملك سلمان سوف تركز على ثلاثة ملفات رئيسية، وهي: الملف اليمني، ملف الإرهاب، وملف التدخلات الإيرانية بالمنطقة. فيما يتعلق بالملف اليمني، كانت عاصفة الحزم العسكرية التي قادتها السعودية بالتحالف مع عشر دول؛ بهدف عودة الشرعية للحكومة والرئيس هادي، وتحقيق الأمن والاستقرار للشعب اليمني، ومنع ميلشيات الحوثي وجيش المخلوع صالح من حكم اليمن والسيطرة عليه بالقوة. وها هي قوات التحالف تخوض المعارك الأخيرة من أجل تحرير اليمن من قبضة الانقلابين وعودة الشرعية. أما فيما يتعلق بملف الإرهاب، فقد كانت السعودية في طليعة الدول العربية المشاركة في التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش»، ورغم أن التحالف استطاع تدمير آلاف الأهداف إلا أن ذلك لم يوقفه من التمدد خارج خارطة الاشتباك في سوريا والعراق، ليصل إلى شمال افريقيا واليمن وغيرها من الدول. وبالتالي أعلنت السعودية قيام تحالف عسكري إسلامي يضم ما يزيد على ثلاثين دولة إسلامية، من بينها جل الدول العربية، في خطوة نوعية نحو مواجهة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره -أيا كان مذهبها وتسميتها- حسب بيان إعلان التحالف، ويكون مقر تنسيقه وغرفة عملياته الرياض. السؤال المطروح لماذا تحالف إسلامي؟ ولماذا السعودية؟ أنا اعتقد أن هناك هدفين رئيسيين من وراء ذلك: الأمر الأول: هزيمة نبوءة داعش الدينية حول معارك التاريخ، وأقصد بها عقيدة المخلص لدى تنظيم داعش، والتي تتلخص في أن حرباً بين المسلمين والكفار ستنشب في الأعماق (منطقة تتبع أنطاكيا جنوب تركيا) أو دابق (تتبع حلب شمال سوريا) قبل قيام الساعة، وذلك استنادا إلى رواية مذكورة في صحيح مسلم، تحت عنوان حديث الأعماق، جاء فيها: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة (يرجّح أن تكون دمشق بحسب تفسير ابن كثير)، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافّوا، قالت الروم: خلّوا بيننا وبين الذين سُبُوا منّا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فيُهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويُقتَل ثلثُهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يُفتَنون أبدا، فيفتَتحِون قسطنطينية. وقد حرص تنظيم داعش الإرهابي منذ الاباء المؤسسين للتنظيم أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي على تكريس عقيدة دابق الدينية من خلال أولا: السيطرة على المنطقتين، ثم الترويج لها إعلاميا من خلال تسمية أحد إصداراته الإعلامية بها مجلة دابق، ثم أطلق اسم الأعماق على أحد أقسام المنظمة الإعلامية. ثم بدأ بعدها بتقديم نفسة باعتباره محققا لهذه النبوءة من خلال الترويج للحديث حديث الأعماق وتوظيفه سياسيا من خلال إسقاطه على الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضده، باعتبار ان التحالف الدولي هو تحالف صليبى، وأن الحرب ضده هي حرب دينية بين المسلمين والكفار، وأنهم الفئة المنصورة في الحديث لإضفاء الشرعية على تحركاته واستقطاب عناصر جديدة للتنظيم. وبالتالي جاء التحالف الإسلامي المكون من معظم الدول الإسلامية؛ ليهدم أركان روايته الباطلة ويفندها بل وينقضها بالكلية، ليفقد التنظيم بذلك أحد أهم أسسه الأيديولوجي وسنده الفكري والديني الذى يستند عليه ويستمد منه قوته، واظهار الصورة الحقيقية لهذا التنظيم أنه ما هو إلا كيان سياسي متطرف متعطش للدماء، يسعى لتحقيق مصالحة الخاصة ويستخدم الشعارات الدينية وروايات ما يعرف بآخر الزمان. لتحقيقها. الأمر الثاني: هو رد على من ربط الإرهاب بالإسلام، بدليل قيام تحالف من معظم الدول الإسلامية؛ لمحاربة هذا التنظيم وغيره ممن حشد الشباب وغرر بهم تحت مظلته وبدأ بالانتشار والتمدد في كل أقطار العالم. وإظهار أن الاسلام براء مما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية تحت غطاء الإسلام، وأن الإرهاب ظاهرة عالمية، ولا يمكن أن يكون مرادفاً لدين أو عرق بعينه. وأخيرا.. لماذا السعودية، لأن السعودية قبلة المسلمين كافة وأصل الإسلام ومهد الرسالة المحمدية ومهبط الوحي، وانها هي السلطة الوحيدة في العالم التي تمتلك القوة والشرعية الدينية على هزيمة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، وإسقاط شرعيتهم الأيديولوجية المتوحشة من قتل وذبح وتكفير وفظائع يندى لها جبين الإنسانية.