×
محافظة المنطقة الشرقية

ألوان / تحدّيات السينما العالمية (2) - ثقافة

صورة الخبر

يستقبل مسجد السيدة نفيسة الكائن في حي الخليفة بالقاهرة، زواره الجمعة، في طقس أسبوعي، يحرص عليه كثير من المصريين، يبدأ من صلاة المغرب ويستمر حتى صلاة العشاء، فيما يعرف بيوم الحضرة، إذ ينصهر الجمع المبارك دون تفرقة بين خفير أو وزير، في تظاهرة أسبوعية قلما تجد لها مثيلاً في أي من مساجد مصر التاريخية العامرة. يمثل مسجد السيدة نفيسة، حالة شديدة الخصوصية بين نظرائه من المساجد الكبرى التي تنتسب لآل البيت في مصر. ففي ضريحها بكى وزراء، وطلب سياسيون بارزون العون من الله في الشدائد، واستلهمت السيدة تحية كاظم، زوجة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الصبر بعد رحيل الزوج والسند. رحلت السيدة نفيسة، رضي الله عنها، إلى مصر هي وزوجها إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق، وكان قدومها إلى مصر أمراً عظيماً، إذ استقبلها المصريون رجالاً ونساءً عند الحدود الشمالية الشرقية للبلاد في مدينة العريش بالهوادج، حتى إذا استقر بها المقام في القاهرة شهد بيتها الكائن في درب السباع (السيدة زينب حالياً)، آلاف الزوار، وكان الزحام الشديد عند باب بيتها، وتهافت المصريون على رؤيتها والاستماع إليها، ما دفع زوجها بعد أشهر من قدومها إلى مصر إلى التفكير جدياً في الارتحال إلى الحجاز، وتقول بعض كتب الأثر، إنه عرض عليها الأمر، فما كان منها إلا أن قالت: لا أستطيع ذلك فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال لي لا ترحلي من مصر فإن الله تبارك وتعالى متوفيك بها. وأقامت السيدة نفيسة، رضي الله عنها، بمصر بين 7 سنوات و15 عاماً، قبل أن تداهمها في شهر رجب من عام 208 هجرية نوبة مرض شديدة، فلما أحست بدنو أجلها حفرت قبرها بيدها في بيتها، وكانت تنزل إليه لتصلي فيه كثيراً، فلمّا حانت الساعة، وكان ذلك في الجمعة الأولى من شهر رمضان، بدأت في قراءة سورة الأنعام، فلما وصلت إلى قوله تعالى: لهم دار السلام عند ربهم، وهو وليهم بما كانوا يعملون غشي عليها، فضمتها زينب بنت أخيها إلى صدرها فشهدت شهادة الحق وقبضت. ويقول مؤرخون إن زوجها أراد بعد وفاتها رضي الله عنها، أن يحملها إلى المدينة المنورة لكي يدفنها بالبقيع، لكن المصريين هرعوا إلى الوالي عبد الله بن السري بن الحكم، واستجاروا به عند زوجها ليرده عما أراد، فأبى، فجمعوا له مالاً وفيراً وسألوه أن يدفنها عندهم فأبى أيضاً، فباتوا منه في ألم عظيم، لكنهم عند الصباح في اليوم التالي وجدوه مستجيباً لرغبتهم، فلما سألوه عن السبب قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم. دفنت السيدة نفيسة، رضي الله عنها، بدارها بدرب السباع بين القطائع والعسكر، التي عرفت فيما بعد بكوم الجارحي، وكان يوم دفنها يوماً مشهوداً، فهرع المصريون من أقصى البلاد وأدناها، ليصلوا عليها، إكراماً لنسبها للبيت النبوي الشريف، وأقاموا مسجداً إلى جوار الضريح لا يزال يحظى بالرعاية، بل إنه ظل على مدار تاريخه الطويل ضمن اهتمامات العلماء والأمراء والحكام الذين تعاقبوا على مصر، فمنهم من جدد المقام، ومنهم من وسّع المسجد حتى وصلت مساحته الآن إلى ما يزيد على 2000 متر، بعد أن كان مجرد حجرة في دار أبي جعفر خالد بن هارون السلمي. وبُني ضريح السيدة نفيسة، رضي الله عنها، في عهد عبيد الله بن السري بن الحكم، والي مصر من قبل الدولة الأموية، حسب ما يذكر المقريزي في خططه، وأعيد بناء الضريح في عهد الدولة الفاطمية، وأقيمت عليه قبة، ودوّن تاريخ هذه العمارة على لوحة من الرخام وضعت عند باب الضريح جاء فيها: نصر من الله وفتح قريب، لعبد الله ووليه ابن تميم الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين، أمر بعمارة هذا الباب السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين عضد الله به الدين، وأمتع بطول بقائه المؤمنين وأدام قدرته وأعلى كلمته وشد عضده بولده الأجل سيف الإمام جلال الإسلام شرف الأنام ناصر الدين خليل أمير المؤمنين، زاد الله في علائه وأمتع المؤمنين بطول بقائه في شهر ربيع الآخر سنة 482 هجرية. وفي عهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله حدث تصدع لقبة المشهد النفيسي فجددها، كما غطى المحراب بالرخام، وكان ذلك سنة 532 هجرية، ويقول الجبرتي: الأمير عبد الرحمن كتخدا عمَّر المشهد النفيسي ومسجده وبنى الضريح على ما هو عليه الآن، وجعل لزيارة النساء طريقاً بخلاف طريق الرجال وذلك في سنة 1173ه. كما كتب على باب الضريح بالذهب على الرخام: عرش الحقائق مهبط الأسرار/ قبر النفيسة بنت ذي الأنوار/ حسن بن زيد بن الحسن نجل/ الإمام علي ابن عم المصطفى المختار. ووصف علي مبارك في خططه الضريح والمسجد الملحق به وصفاً مستفيضاً، وقال إن الدولة خصصت حينذاك 450 فداناً وعدة حوانيت للصرف على المشهد، غير ما يتجمع في صندوق نذوره والتي كانت تبلغ في السنة في ذلك العهد ما قيمته 25 ألف قرش، كما كانت نظارة الأوقاف تصرف له ثمن الزيت والحصر وملء الميضأة.