رغم أن الكذب عادة سيئة ومذمومة شرعا وعرفا وأخلاقا، إلا أن الحياة دونه تكاد تكون مستحيلة. وهناك كثير من الأفلام السينمائية حاولت محاكاة هذه الفكرة لإيصال المشهد العام إلى المشاهد. ولكن تعالوا نتصور حياتنا من غير كذب. اتصل بك أحد الأشخاص ليدعوك إلى وليمة عشاء فتقول له: آسف فأنا لا أطيقك ولا أريد اللقاء بك! فتاة تسأل صديقتها ما رأيك في فستاني؟ فتقول لها: مقرف ما هذا الذوق؟! زوجة تسأل زوجها ما رأيك في لون شعري الجديد؟ فيقول: "وع" ليتك لم تغيريه! سيدة تدعو صديقتها إلى المنزل وتقول لها لا تحضري أبناءك فهم أشقياء جدا ولا أستطيع أن أتحملهم! أُمّ تسأل ابنها المراهق هل صليت المغرب؟ فيقول لها: لا فقد كنت "أحشش" مع العيال! واعظ يحض الشباب على الجهاد وعندما سألوه: لماذا لم ترسل أبناءك إلى الجهاد أجاب يقول: إني أحبهم ولا أريد أن أفقدهم. والأمثلة تطول في هذا الموضوع، وقد تتحول حياتنا من غير كذب إلى جحيم، فهل يجب علينا إعادة صياغة مفهومنا للكذب؟ وأنه ليس كله شرا محضا بل إن وجوده قد يسهل حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية. قد يقول أحدهم، هذا ليس كذبا وإنما مجاملات، ولكن في اعتقادي أن الكذب هو كل ما خالف الحقيقة سواء في الأفعال أو الأقوال، وأنا أجزم أننا إذا لم نكذب سنفقد كثيرا من العلاقات، وسـ"يوحشنا" كثير من الكتاب والإعلاميين، وسنفقد كثيرا من القصائد والأشعار، وستختفي معظم الصفحات الأولى من صحفنا العربية، وسنفقد كل الكلمات في المؤتمرات السياسية، حتى المعاريض والخطابات ستختفي فيها أول وآخر الأسطر، ولذلك كثير من المسؤولين يقرأ المعروض من المنتصف، ولكنه يغضب لو لم تكتب السطور الأولى والأخيرة التي لا يقرأها.