عمر الصحافة الورقية بغض النظر عن خلافات المؤرخين فيه لا يقارن بأثرها الكبير على البشرية، وطوال تاريخها مرت بمحن كثيرة وبعقبات لا تعد ولا تحصى إلا أنها حافظت على حضورها وقوتها ورسالتها وتأثيرها في كل مجتمع. ولعلها المهنة الوحيدة التي منذ فجرها وحتى هذا العصر الذي باتت فيه مهددة تهديداً حقيقياً بالانزياح أمام وسائل جديدة، وهي المهنة الوحيدة التي كانت دوماً تواجه التحديات بالمزيد من المهنية والفعالية والتأثير، لكنها اليوم تقف على مفترق طرق خطير. ولعل هذه الخطورة هي الأكبر والأعظم من كل ما سبق واعترض طريقها، فلا تعد أي عقبات سابقة ولا أي صعوبات ماضية ذات مقارنة مع التهديدات الحالية. في الماضي تعالت الأصوات التي تبشر بزوال الصحافة الورقية بمجرد دخول المذياع للمنازل وانتشاره، لكن لم تتأثر وكان هذا بديهياً أمام تواضع تكنولوجيا الراديو وكون النخب في المجتمع هي التي تملك الصندوق السحري، الذي يخرج منه أصوات وموسيقى. ثم دلف التلفاز لساحة المعركة، وعادت الأصوات تقول بأن هذه هي الضربة القاضية للصحافة، ولكن هذا الجهاز كان انتشاره أكثر بطئاً ولم يكن يتوفر لدى الجميع، وبعد مرور أعوام انتشر، ولم يحدث أي خلل أو تهديد للصحافة الورقية التي واصلت مسيرة عملها بقوة، بل إنها تطورت هي أيضاً عندما أدخلت الصفحات الملونة في الطباعة، واستطاعت تقليل حجم الصحيفة حتى يمكن قراءتها في القطارات أو الحافلات. ومنذ ظهور شبكة الإنترنت، وبداية انتشارها في كافة أرجاء الكرة الأرضية، عادت تلك الأصوات تؤكد أن الصحافة الورقية تلفظ أنفاسها الأخيرة، مضت نحو العشرين عاماً، وسمعنا بصحف عريقة تتحول للعمل الإلكتروني، وسمعنا بمكتبات عريقة قررت تحويل مخزونها من الكتب الورقية لتصبح إلكترونية، وهذا كل ما حدث، لكن الحقيقة اليوم مختلفة تماماً، أمام الهواتف الذكية، ومع تطور شبكات الاتصال، لتصبح بهذه السرعة، ويتوقع أن تتضاعف سرعة شبكة الإنترنت، ليصبح بمقدور أي شخص تحميل فيلم مدته أكثر من ساعتين، في غضون ثوان قليلة. هذه الثورة، ستجعلنا جميعاً نميل نحو استقبال المعلومات والأخبار عبر مقاطع فيديو. البعض مرة أخرى يؤكد أن هذه المعطيات هي الدلالات على أفول شمس الصحافة الورقية، بالنسبة لي أعتقد أنه لا يمكن للبشرية أن تفرط في هذا الإرث العظيم، الذي أثبت أنه من الإنسان للإنسان، وأثبتت السلطة الرابعة أنها مع الحقيقة دوماً، وفوائدها أعظم بكثير مما قد يعتقد البعض، لذا لا أتفق في أن شمس هذه المهنة العريقة ستغيب، لكنني متأكدة أنها ستأخذ منحى آخر وستغير أدواتها بما يتواكب مع العصر، وهذا في العموم ما حدث اليوم، حيث كثير من الصحف لها مواقع نشيطة وذات تأثير على شبكة الإنترنت، ولها حسابات رسمية فاعلة على مواقع التواصل الاجتماعي. الصحافة ستبقى والصحفيون وركضهم وسعيهم نحو الحقيقة سيبقون، لأنه لا توجد حضارة إنسانية حتى اليوم فرطت في مكتسباتها. Shaima.author@hotmail.com www.shaimaalmarzooqi.com