نشرت الصحف وتداولت برامج الفضائيات صورة ضوئية من عرض قدمته فضائية عربية لاحتكار نقل وقائع جلسات البرلمان المصري الجديد على الهواء، وبث ما يجري في لجانه من نقاشات وحوارات في برامجها. كان الرقم المعروض خيالياً ويضارع ما يُدفع لنقل مباريات الكرة أو مسرحيات السهرة العالية الكلفة، ويشير إلى أن القائمين على القناة يعتقدون بأن «العملية» مربحة وأن وكالات وشركات الإعلانات ستسدد للقناة مبالغ طائلة مقابل عرض الإعلانات بين «فقرات» السهرة البرلمانية أو أثناء فترة الراحة للجلسات النيابية. ليس مهماً أن العرض رُفِض، وأن النواب انزعجوا منه بعدما صوّرتهم القناة وكأنهم يشاركون في عروض فنية أو يمارسون مباراة في كرة القدم، لكن الأهم أن الواقعة تعكس إلى أي حد يترقب الناس أداء البرلمان الجديد. سيكون البرلمان في بؤرة الضوء بمجرد أن تبدأ جلساته في غضون أيام لأسباب عدة، أهمها بالطبع كونه سيعبّر عن مرحلة سياسية بلا «إخوان مسلمين»، وثانيها أنه أتى بإرادة شعبية من دون تدخل من الدولة لفرض نواب بعينهم، أو استبعاد أشخاص لا يرضى عنهم الحكم، وثالثها غياب سيطرة حزب قوي على حركة النواب وسلوكهم ومواقفهم داخل البرلمان، مهما كانت المحاولات التي تجرى الآن لتشكيل تكتل من المستقلين وبعض النواب المنتمين إلى أحزاب، وأخيراً حال الشغف التي تسيطر على قطاعات واسعة من المصريين لمتابعة أداء وسلوك وكلام ومواقف نواب عرفوا بحدة الطباع وشطط المواقف. صحيح أن هناك حملة تستهدف التشهير بالبرلمان ونوابه يتبناها «الإخوان» الذين يسعون إلى إفشال كل نظام يأتي بعدهم. وحقيقي أن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية كانت ضعيفة. ومعلوم أن الخريطة التي أفرزتها تلك الانتخابات للنواب تضمنت مفاجآت فنال لقب «النائب» أكثر من شخص لم يكن الناس يتوقعون فوزهم. لكن المؤكد أن تلك الخريطة تحمل في طياتها أسباباً لأداء سياسي قد يكون متميزاً أو يأتي مخيباً للآمال، إذ صار النائب أكثر حرية، وغالبية من فازوا في الانتخابات لا تعاني ضغوطاً، وأصبح المحك الحقيقي للجميع هو مستوى الأداء لتحقيق مصالح المواطنين وليس إرضاء المسؤولين، أو الفوز بالتقرب إلى نظام الحكم. في كل الأحوال مهما كان شكل البرلمان الجديد وطبيعة الخلافات التي دبت بين بعض الأحزاب و «ائتلاف دعم مصر» والصراعات التي تدور في الخفاء أو العلن بين الأحزاب التقليدية القديمة وتلك التي تأسست بعد 25 كانون الثاني (يناير) 2011، فالمؤكد أن السلبيات لن تصل إلى ما كان عليه برلمان «الإخوان» الذي كان تحول إلى مصدر للسخرية والضحك واعتمدت برامج الفضائيات على جلساته لتوفير فقرات كوميدية للمشاهدين! البحث في تشكيلة البرلمان وموازين القوى داخله قد يعطي بعض الملامح، فعدد المستقلين في البرلمان الجديد يبلغ 328 نائباً وعدد المنتمين إلى أحزاب 229 نائباً منهم 65 من حزب «المصريين الأحرار»، بينما يملك حزب «مستقبل وطن» 51 مقعداً، وحزب «الوفد» 45 مقعداً، و «حماة الوطن» 17 مقعداً، و «الشعب الجمهوري» 13 مقعداً، و «المؤتمر» 12 مقعداً، و «النور» 12 مقعداً، و «المحافظين» 6 مقاعد، و «الحركة الوطنية» 5 مقاعد، و «السلام الديموقراطي» 5 مقاعد، و «المصري الديموقراطي الاجتماعي» 4 مقاعد، و «الحرية» 4 مقاعد، و «مصر بلدي» 3 مقاعد، و «مصر الحديثة» 3 مقاعد، و «التجمع» مقعد واحد، و «الإصلاح والتنمية» مقعد واحد. وبين نواب البرلمان الجديد 84 ضابطاً سابقاً في الجيش والشرطة، و9 صحافيين وإعلاميين. كما أن هناك 73 مقعداً للمرأة (17 فردي و56 قوائم) و36 قبطياً (12 فردي و24 قوائم) ومهما كانت سلبيات الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لاحظ أن 12 نائباً قبطياً فازوا في انتخابات فردية، وهو عدد مساوٍ لنواب حزب «النور» السلفي، ليشير ذلك إلى أن شيئاً ما تغير في مصر وأن الزمن الذي لم يكن فيه أي مرشح قبطي يفوز بمقعد في البرلمان إلا إذا كان وزيراً في الحكومة أو يتولى منصباً مهماً في الحزب الحاكم، ولى وانتهى. عموماً أهم ما في قضية البرلمان المصري أنه كان الخطوة الثالثة والأخيرة من خريطة الطريق السياسية التي وضعت بعد إزاحة «الإخوان» عن الحكم لتكتمل مؤسسات وسلطات الدولة. أما أداء النواب سلباً أو إيجاباً فلا يمكن الحكم عليه إلا بعد بدء الجلسات والنقاش والتنافس. والعروض قد تأتي جذابة تناسب البث التلفزيوني الفضائي في السهرة، أو دون المستوى فلا تصلح إلا لبرامج الظهيرة التي لا يشاهدها أحد!