•• فاجأني معالي الأخ والصديق العزيز الدكتور أسامة عبدالمجيد شبكشي بصدور كتابه الوثائقي الجديد "مواقف واشهاد" والذي انتهى – لتوه – من طباعته في ألمانيا قبل أن يغادرها مؤخراً مختتماً بذلك سيرة حياة عملية حافلة بتنوع الخبرات وتعددها.. من أستاذ جامعي وعميد لكلية الطب.. ثم وكيلاً فمديراً لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة خلال الفترة ما بين (1414 – 1416ه) فوزيراً للصحة في الفترة (1416 – 1424ه) ثم سفيراً متميزاً لهذه البلاد في ألمانيا الاتحادية البلد الذي أحبه وتلقى فيه دراساته العليا في المجال الطبي قبل أن يعود إلى البلاد ويضع بصمته على كل موقع عمل فيه بكفاءته المعهودة ونزاهته التي لا تبارى وجديته التي يُضرب بها المثل في زمن طغت المادة فيه على كل شيء. •• أقول فاجأني الدكتور أسامة ليس فقط بصدور هذا الكتاب وإنما بقصة كفاح مرير تفسر لنا معنى التعب والمعاناة في الحياة وكيف تتحول في مستقبل الأيام ومع الصبر الطويل إلى لوحة يجب أن تتعلم منها أجيالنا الحاضرة والقادمة كل معاني الجلد والتصميم والتحدي وبناء الإنسان نفسه من الصفر وصولاً إلى أرقى المناصب وأعلاها وسط إعجاب الجميع وتقديرهم. •• فقد رافقه الشقاء منذ سن السادسة عندما دفع به عمه المرحوم صالح شبكشي مع ابنه هشام للسفر إلى السودان ووجد نفسه فجأة في مدرسة تبشيرية صباحاً وبقية الأيام في القسم الداخلي للمدرسة (سجيناً) وعندما علم أبوه وعمه بأن المدرسة كانت تبشيرية دفعا به وبابن عمه لمواصلة دراستهما بلبنان حيث التحقا بالكلية الوطنية بالشويفات مع الإقامة بقسمها الداخلي أيضاً ولم تكن الكلية بأحسن حالاً عن سابقتها من حيث طبيعة الدراسة ومنهجها، ليتجها بعد ذلك إلى كلية "فيكتوريا كوليدج" بالإسكندرية لم يلبثا أن عادا إلى المملكة والتحقا بمدارس القصور السبعة بجدة. •• لكن رحلة الدكتور شبكشي مع الدراسة استمرت في مواجهة الكثير من الصعوبات فلم يجد فرصته للحصول على بعثة خارجية بعد تخرجه من الثانوية العامة.. ومع ذلك فقد دفع به والده (يرحمه الله) للدراسة في ألمانيا على حسابه بعد أن باع ساعته ب (3000) ريال تجسيداً لحالة الفقر التي كان يعيشها مما اضطره للجمع بين تحصيله الصعب في بلد غريب وبين العمل كبائع آيسكريم.. ثم عاملاً في إحدى المزارع فعاملاً في مصنع بسكويت.. إلى أن التحق بالعمل في مصنع للغواصات الألمانية.. ورغم كل ذلك فقد أجاد أسامة اللغة الألمانية خلال (4) أشهر بدلاً من (6) أشهر كما كان مقرراً لعدم قدرته على دفع أقساط الشهرين الآخرين، ليتدرج بعد ذلك في مراحل دراسته العليا ويحصل على أعلى الشهادات وأرقاها ويعود إلى المملكة بعد كل ذلك ويبدأ مرحلة صناعة المستقبل بنفس الصبر والقوة والإصرار والتحمل. •• والكتاب وإن اختصر الكثير من التفاصيل في حياته أو عن عمله وزيراً للصحة إلا أن "أسامة شبكشي" ترك بصمة قوية في كل المواقع التي تركها لمن بعده.. •• وأنا بالكتابة عن الرجل من خلال كتابه الذي لم يغط مرحلة عمله سفيراً في ألمانيا.. إنما أردت أن أقول لشبابنا إن الوصول إلى القمة ممكن ولكن بمزيد من التعب.. والعصامية.. والكفاح وتحمل الكثير من المرارات والاصطدام بمختلف العقبات. •• ولا شك أن الدكتور الشبكشي هو نموذج للإنسان الذي صنع نفسه بقوة الإرادة والتصميم المعزز بإيمان لا حدود له بأن الله هو المعين الأوحد لمن يسعون إلى تحقيق ذواتهم بتصميم لا حدود ولا نهاية له. والأهم من كل ذلك أن يكون الإنسان متمسكاً بالقيم ومحافظاً على أعلى مستويات الشمم والعزة ورفع الرأس في كل الظروف.. أمده الله بالصحة والعافية وأفاد بعصاميته كل من تعلموا على يديه وشاركوه في تحمل المسؤولية إلى جانب رجل صعب ينتظر من الآخرين الحد الأعلى من الإجادة والأمانة والعفة ونظافة اليد والإحساس بالمسؤولية والإخلاص المتناهي للوطن. *** •• ضمير مستتر: •• (أصحاب الهمم العالية لا يعرفون المستحيل.. وإن حاربتهم الظروف وقست الحياة عليهم).