طبيعة من تغضبهم أفعالك هو مؤشر على صواب فعلك بدرجة كبيرة، فحين ترى من أزعجهم نجاح مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، ونجاح المملكة في توحيد أكبر طيف من المعارضة السورية والمدنية، إضافة إلى التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت عنه السعودية للتصدي للإرهاب، تجد أنها أغضبت تقريبا نفس الأطراف. ومن غضبوا أو حاولوا التشكيك من قدرة السعودية دبلوماسيا، على إنجاز مؤتمر المعارضة السورية الأنجح، أو القيام بتحالف عربي في اليمن وإسلامي للتصدي للإرهاب، هم على مستوى الدول روسيا وإيران بشكل خاص، والحدية في الصوت الإيراني تحديدا، ورجع الصدى له في لبنان وسوريا، مفهوم في ضوء أن الصراخ على قدر الوجع. إيران منزعجة من ما أظهرته السعودية من حزم في اليمن، على المستوى العسكري ونجاحها الدبلوماسي عبر استصدار قرار مجلس الأمن 2216، والخاص بتسليم الميليشيات الحوثية سلاحها للدولة، والخروج من المدن التي احتلتها، كما أن روسيا وإيران اللتين وجدتا في التراجع الأمريكي عن التدخل عسكريا، فرصة لبسط النفوذ في العراق وسوريا ولبنان، يزعجهما وإن بدرجة مختلفة أخذ السعودية لزمام المبادرة والجدية في التصدي للإرهاب. فكلمة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير التي يكررها دائما، وهي أن بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من مستقبل سوريا، سواء كان ذلك عبر عملية سياسية أو كان ذلك بالقوة، تترجم اليوم على أرض الواقع، حيث تقدم السعودية كل ما من شأنه اختراق فرصة حل سياسي، ومحاولة الوصول إلى حل يوقف نزيف الدم السوري، ويكون مقنعا إلى حد ما للأطراف المهمة على الأرض وأقصد روسيا تحديدا. فالحل السياسي الذي سعت له السعودية بمعية عدة دول إقليمية ودولية من أصدقاء سوريا، قدم قبولا لبقاء المؤسسات المدنية والعسكرية، وعدم تكرار خطأ تفكيكها كما حصل في العراق 2003، عبر حل الجيش العراقي وحزب البعث، كذلك توحيد المعارضة في الرياض لتخرج بموقف موحد، فيما يخص مدنية الدولة ووحدة سوريا، حتى لا تتشتت الجهود في 18 يناير المقبل، حين يتقابل وفدا المعارضة والنظام، لإقرار الفترة الانتقالية وباقي تفاصيل الحل السياسي، ويبقى التحالف الإسلامي العسكري عصا للإرهاب وسبب وجوده -بشار الأسد-، فيما لو فشلت فرص الحل السياسي. باقة الحلول التي غطت مختلف السيناريوهات، تعكس جدية في الموقف السعودي المتمسك بحق السوريين في إنهاء هذه المأساة الممتدة منذ خمس سنوات، كما أن النقطتين اللتين أشغلتا أطرافا غربية كثيرة تم حسمهما، عبر التمسك بالحفاظ على مؤسسات الدولة، وإيجاد حل بديل للقوات الغربية على الأرض، والتي لوحت أصوات بريطانية وغربية أخرى عن رفضها، حيث إن التجربة أشارت في أفغانستان 2001 والعراق 2003، إلى أن الشعوب تعتبر هذه الجيوش جيوش احتلال بعد مرور بعض الوقت. في مصر هناك أصوات نشاز مناهضة للسعودية فكرا ومضمونا، إما لميول يسارية بأفكار تكلست منذ الستينات الميلادية، أو لهوى إيراني استثمر وأثر منذ زمن، وعلى سبيل المثال يخرج الإعلامي إبراهيم عيسى بين الفينة والأخرى للإساءة للسعودية أو الحنق من تصرفاتها، فالأستاذ إبراهيم حنق من دور القيادة السعودي للتحالف الإسلامي، معتبرا أن القيادة الإسلامية يجب أن تكون لمصر. وهذا مفهوم في الذهنية الشوفينية وإن أنكرها، لكن اللافت هو ترديد الدعاية الإيرانية التي تزعم أن السعودية هي راعية الإرهاب واليوم تحاربه، وهي نفس الدعاية التي تروج أن بشار هو من يحارب الإرهاب، ويرى عيسى أن الوهابية هي أساس المشكلة وأنها هي أكثر التفسيرات الدينية تطرفا. والتاريخ يقول إن الوهابية كانت عضيدا للحاكم في توحيد الوطن والقضاء على الشركيات، أما أفكار استعادة الخلافة التي يطرحها البغدادي فلم تأت إلا من حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين، ولم يدخل على السلفية منهج التفكير والغلو إلا بأفكار سيد قطب والمودودي، وهذه الجماعة الإرهابية هي التي دعمت السعودية الشعب المصري في أعقاب ثورة 30 يونيو حين التي أسقطتها. إبراهيم عيسى الذي كان يزدان مكتبه في صحيفة الدستور قديما بصورة لنصر الله، هل ما زال يعتبر نصر الله وميليشياته التي تقتل السوريين مناضلين، وهل إسلامهم هو الإسلام المعتدل الذي يرى أن السعودية لا تملكه لقيادة هذا التحالف، الأكيد أن البعض لا يعيش في التاريخ ملبسا فقط ولكن فكرا أيضا.