×
محافظة المنطقة الشرقية

انعقاد عمومية رابطة فرق الأحياء الجمعة

صورة الخبر

بينما كان "جاشو فان الستيني" يعدو القصيد، على رائحة حطب السمر المحترق ممسكاً فنجال من قهوة صفراء، منقوش بانحناءات عربية الهوية، يتدفق منه رحيق الهيل المختوم. بدى ككائن عجائبي بلغ من الغرابة ما تبلغه سمكة خلقت لاستنشاق الهواء، والغرق في الماء، أو كدرويش صوفي بيمينه صولجان من ذهب مرتدياً الحرير ويلف منكبيه بفرو الثعلب الأحمر الألسكي، حسبما وصفه مراسل "بوابة الشرق". بنفس القدر من الغرابة تتبع مراسل "بوابة الشرق" النبرة البدوية الخالصة، حتى وصل لمصدرها الذي اعتلى على ملامحه، انحناءات شاب غربي نحت الجليد قسماته الشقراء، وعينيه الزرقاوان. واسترسل مراسل "بوابة الشرق" في الوصف قائلاً: لبثنا ملياً غير قليل نحاول بفشل تركيب الصوت على الصورة، حينها قررنا فك طلاسم ذلك الشخص الغربي ذو اللكنة البدوية، لنستل أقلامنا معلنين غزوتنا على "جاشو" أو كما يُطلِق على نفسه "بومتعب" سابرين غور أسراره، التي بلغ تعقيدها، ترانيم الهنود الحُمر الطائفين بنار المجوس ليلة النيروز. بحفواة العرب وكرم أبناء البادية، أطلق صيحة مفادها الترحيب، جلسنا بجواره نسأله عن اسمه ونشأته. ومن هو ومن أين هو؟.. ولماذا هنا.. وكيف؟ بدت أسئلتنا متزاحمة مندفعة بقدر رغبتنا في التعرف إليه. يقول بومتعب (25 عاماً)، انه ابن لأب أمريكي مسيحي وأم أمريكية من أصول تركية مسلمة، يعيش بولاية تيكساس بالولايات المتحدة، فـ "شاجو" لم يكن يعلم الكثير عن الوطن العربي وبالتحديد منطقة الخليج قبل قدومه إليها. زادت إجابته من حيرتنا، فكيف لشخص أميركي يعيش بين أحضان الأميركان أن يتحدث اللغة العربية بطلاقة و متقن للهجة البدوية دون أن يرفع مفعولها وينصب فاعلها ويجر خبرها، هذا في حين نشرت الـ "سي ان ان" الأمريكية دراسة في 6 أيلول/ سبتمبر 2010، مفادها أن اللغة العربية هي الأصعب على الإطلاق بالنسبة للأجانب. "يطول بعمرك" قالها بومتعب قبل أن يكشف عن سر تعلمه العربية، بأنه كان دائم الاحتكاك بالمبتعثين الخليجيين للدراسة بولاية تكساس، فكون صداقات قوية مع العرب؛ لذلك تعلم اللغة في أقل من عام واحد!. لم ينتهي شغفه بالثقافة الخليجية عند حدود إتقان لكنتها فحسب، حتى وجه مقدم البرامج بتلفزيون الريان جارالله المري دعوة لـ "بومتعب" ليستضيفه في قطر. فلم يفوت الفرصة وحضر بالفعل إلى الدوحة، لمخالطة أبناء الخليج وشرب الثقافة العربية من كفوف احفاد غواصي اللؤلؤ، منذ ذلك الوقت وهو يلبس الفروة ويخمر الشال رأسه، متحدثاً العربية بطلاقة اهلها. ويمضي بومتعب بالقول، إن السواد الأعظم من سكان الولايات المتحدة يسيئون فهم العرب ولديهم شيئاً من التجنب يتخلله الخوف، فما زالت الصورة النمطية التي حبس العرب بين براويزها، تجعل منهم محط للحذر من أن يكون إرهابياً، أو مجرد إنسان لا يعلم عن الدنيا شيئاً سوى أنواع الإبل، وما خفي كان أعظمُ!. ويعترف بومتعب أن تلك الصورة تحطمت مع أول احتكاك مع أصدقائه المبتعثين، ويقول لم أجد شخصاً يحمل فكراً متطرفاً بينهم أو حتى قنبلة كما كنا نظن، بل على النقيض تماماً كانوا قمة في الوداعة والسلام، ومع مضي الأيام اكتشفت أن ذلك نابع من تعاليم الإسلام. حينها تلاشت الصورة التي عززها الإعلام في أذهاننا حتى باتت كدق الوشم، يصعب محوها إلا بالدم، صورة تعززت في حالة الحرب والسلم واللا حرب واللاسلم. كنت أرى النجاح بازغاً في أصدقائي العرب والخليجيين، بعد أن تفوقوا بخطوات واسعة بمجال الدراسة، حتى سبقوا كثيراً من أبناء بلدتنا، فمحوت الصورة الثانية بأن العرب مجرد جهلاء، بل بالعكس هم أهل قدرات وأصحاب كفاءات وفراسة. فلا تسئ الظن بي فنحن أبناء العرب، أبناء سلم لا غضب، أحفاد سينا والغزالي والفرابي وابن حرب، أسلمت وجهي للسلام فقال لي، اجنح لها، فصحت لبيك يا رب العجم والعرب. بالعودة لحديث بومتعب والذي قال ثمة قطيعة تكون مع العرب، وصدر بشأنهم حكم بالنبذ والإعدام، حتى قبل أن نراهم أو تخاطب ألسنتنا ألسنتهم، فيتصدر الخوف والحذر مشهد العلاقة بيننا، فقط لأننا وضعنا لهم تعريفاً وقالباً محرم عليهم الخروج منه الى يوم الدين، بتلك العبارات وصف بومتعب الظلم الواقع على العرب بسبب أحكام تصنيفية مسبقة صدرت بشأنهم. ترجم "بومتعب الأميركي" تعاطفه مع قضايا العرب من خلال حملته الدعائية للإفراج عن حميدان التركي القابع بالسجون الأمريكية منذ يونيو/حزيران 2005، وطلب عبر مقطع فيديو من الرئيس الأميركي باراك أوباما صراحة أن ينحي الإسلاموفوبيا جانباً، ويلتزم بالقانون الأميركي، ولا يركن إلى انطباعاته الشخصية. يذكر أن حميدان التركي العائل لـ (5) أطفال، أبدى حسن سلوكه وبياض سيرته، بعد أن قدم نموذج أخلاقياً بديع بحسب ما ورد بحملة "بومتعب" الحقوقية، مما اجبر السلطات بولاية كولورادو تخفيف الحكم عليه من 28 سنة سجن إلى 8 سنوات. ولكن ذلك لم يمنعه من مواصلة حملته بإعادة حميدان التركي لاستكمال محاكمته في بلده الأم المملكة العربية السعودية- إن كان مداناً بالأساس. باعتبار نفسه مشاركاً في نظام الضرائب الأميركي، ولهذا السبب فإن أمواله كمواطن أميركي تهدر لحماية ونقل ومحاكمة شخص لا يندرج تحت طائلة السلطات الأميركية، ومن الأفضل للطرفين السعودي والأميركي إعادته لأراضيه. كان ذلك جزءً من حديثنا عن حقوق المظلومين والمستضعفين بالعالم، ليس داخل تخوم الولايات المتحدة فحسب، حيث ان بومتعب استطاع أن يوظف شهرته في خدمة ومساعدة أصحاب القضايا الإنسانية واستطاع أن يكون حلقة وصل بين المجتمعات الغربية والعرب. بعد أن قطع حديثنا عن الإنسانيات وعاد مرة أخرى لوصلة الضحك، قال باسماً "أزيدك من الشعر بيت" إنني استطيع الكتابة باللغة العربية. فهو لم يتعلم النطق وأنهى أمره، بل تعلم أيضاً الكتابة بالعربية، ولكن اتضح بعد التجربة إنها تحتاج إلى بعض دروس التقوية. بومتعب ليس مجرد شخص أجاد اللكنة البدوية، بل هو إنسان بالمعنى السامي للإنسانية يغزو القلوب بابتسامته التي لا تنقص مع مرور العمر كماء زمزم، عاشق لأصالة أبناء البادية الكرام - على حد وصفه - الذين نشئوا على حب الخير وتقديمه للناس بغض النظر عن جنسهم، لونهم، أو حتى لسانهم. وفجأة، استل بومتعب سيفاً كان يخفيه تحت فروته وراح يرزف على أنغام "شيخنا خيال العليا وأسدنا تميم"، معلناً انتهاء حديثنا، وبداية فصلاً جديداً أكثر دهشة!.