ماثيو فيكيري-غزة رصاصة إسرائيلية يسمع أزيزها، سرعان ما تبعتها رصاصة ثانية وثالثة، ليسرع الشبان الفلسطينيون بالهرولة على الأرض الوعرة لمنطقة الحدود مع الأراضي المحتلة بحثا عن مخبأ يقيهم الرصاص الإسرائيلي المتطاير يمينا وشمالا. يهرول الشبان بعيدا عن الرصاص، ولكن هناك من يهرول بالاتجاه المعاكس، نحو منطقة إطلاق النار، بالنسبة للمسعفين الطبيين محمد مندل وحازم شبان، كانت الصيحات المستغيثة بالطواقم الطبية قد تعالت وهي إشارة إلى أن أحدا ما قد أصيب بالرصاص الإسرائيلي. مندل وشبان متطوعان في صفوف الطواقم الطبية للهلال الأحمر الفلسطيني، ولم تثنهما رؤية زملائهما يستشهدون في الميدان أثناء تأدية الواجب، فالاثنان يملؤهما الإصرار على إكمال المسيرة. يقول شبان "قبل نشوب المواجهات، يكون هناك توتر والأعصاب مشدودة، ولكن ما إن تبدأ الاحتجاجات ونصبح في الميدان يزول كل شيء، وعندما نهرع لإغاثة الجرحى نشعر بقوة تسري فينا". ويضيف "الجيش الإسرائيلي عدائي بطبيعته، وهو أكثر عدائية هنا في غزة منه في الضفة الغربية، وعلينا أن نركز في عملنا على الدوام". مسعفون فلسطينيون ينقلون شابا أصيب خلال مواجهاتمع الجيش الإسرائيلي على حدود غزة(الأوروبية) بداية المشهد كان المشهد هو بداية احتجاجات ضد حصار إسرائيل لقطاع غزة وتضامنا مع الاحتجاجات بالضفة الغربية، والعنف الإسرائيلي المتصاعد هناك. ولم تلبث الاحتجاجات أن تدخل في دقيقتها الثانية حتى بدأت القوات الإسرائيلية بإطلاق الرصاص الحي باتجاه الشبان المتجمعين بمحاذاة خط الحدود. "بسرعة، بسرعة، بسرعة" يصيح شبان وهو يحاول وضع جريح فلسطيني على النقالة ثم الهرولة به نحو عربة الإسعاف التي تقف على بعد خمسين مترا، المصاب هو قصي أبو فارس، فتى بالـ15 من عمره، يرقد على النقالة وقد أصيبت كلتا ساقيه برصاص الإسرائيليين. يتلوى قصي من شدة الألم والدم ينفر بغزارة من جروحه. يصل الفتى إلى سيارة الإسعاف ويباشر المسعف المتفرغ في الصليب الأحمر الفلسطيني حسن العتال عمله في الحال، إلا أن النزف شديد وقد يهدد حياة الفتى. سابق الوقت "ما لقب عائلتك؟" يسأل العتال الفتى الجريح، ثم يمطره بوابل من الأسئلة الروتينية التي من شأنها أن تمنعه عن فقدان الوعي وتبقيه متيقظا، وهو أمر حيوي للمصاب بنزف حاد. يعمل العتال بسرعة شديدة، يمزق الأغلفة البلاستيكية للضمادات الطبية ويطبق بها على جروح قصي حتى يلطخ الدم زيه الطبي. هذه هي المشاهد التي اعتاد أن يراها ويعيشها العتال والمئات من زملائه في غزة والضفة الغربية كل يوم جمعة، حيث يتجمع الفلسطينيون في نقطة معينة على حدود غزة مع الأراضي المحتلة ليعبروا عن احتجاجهم على الاحتلال الإسرائيلي المستمر وتبعاته السلبية على المجتمع الفلسطيني. وغالبا ما تشهد التجمعات الفلسطينية الاحتجاجية مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، وقد حدث في مناسبات عديدة مقتل فلسطينيين مسلحين بالحجارة فقط لا غير برصاص الجنود الإسرائيليين. إسرائيل أصدرت قوانين تجيز قتل راشقي الحجارة بحجة الدفاع عن النفس(الجزيرة) معاناة المسعفين وفي مقابلة مع العتال في مقر الصليب الأحمر الفلسطيني قبل توجهنا إلى الميدان، قال "إنهم (القوات الإسرائيلية) لا يفرقون بين الطواقم الطبية والمحتجين والمدنيين". يمدد العتال جسده على كرسيه ويوجه رأسه نحو السقف ويتذكر حادثة مؤلمة بالنسبة له، وهي مقتل زميله عندما استهدف الإسرائيليون -أثناء حرب الـ51 يوما على غزة صيف عام 2014- سيارة الإسعاف التي كانوا على متنها يومها، توفي زميله الشاب محمد في الحال. "لم يكن حتى يعمل بأجر، كان متطوعا، وكان متزوجا ولديه ابنة صغيرة" هكذا قال العتال. ورغم صعوبة الموقف وتوتر المشهد، فإنه يبدو وكأنه ساحة لمعركة مرسومة المسار حيث يكون المحتجون في صفوف مرتبة، فالصف الذي يقوم بالمواجهة يتقهقر بعدها ليتقدم محله الصف الذي يليه وهكذا. ونفس الأمر ينطبق على الطواقم الطبية حيث ينسحبون مع كل موجة، ويضعون الجرحى في سيارة الإسعاف التي تنسحب من نطاق النيران لتحل محلها أخرى كانت تنتظر في الخطوط الخلفية. ومع غروب الشمس، يبدأ الشبان الفلسطينيون بالانسحاب بعيدا عن الحدود والرصاص متوجهين إلى منازلهم في مخيم البريج للاجئين. وفي نهاية اليوم، أعطانا قائد الفريق الإقليمي للصليب الأحمر الفلسطيني عوني الخطيب تقييمه للأحداث، وقال "جرح أكثر من عشرة اليوم بإصابات بالذخيرة الحية، نحن محظوظون لأن أحدا لم يمت اليوم" بينما كان المسعفون الذين يتجمعون حول سيارة الإسعاف يتبادلون عبارات مثل "يوم هادئ".