×
محافظة المنطقة الشرقية

الفلل الراقية للعقارات تختتم معرض العقار التركي الثاني

صورة الخبر

شكلت مدينة جدة بجمالها الأخاذ للمبدع السعودي رافداً مهماً وإلهاماً جميلاً أوحى له أن يكتب أروع القصص وأجمل الروايات وأبلغ القصائد، وذلك بعد أن وقف المبدع أمام سحر شواطئها وتأمل رواشينها وخالط أهلها فخرج بجملة من الأعمال في فنون الأدب وتباينت هذه النصوص، وقد وقف جمهرة من شعراء الرعيل الأول أمام عراقتها وحضارتها في حين رسم كوكبة من المبدعين الشباب لوحات باذخة استمدتها من فضاءاتها الواسعة التي عرفت بها جدة. وفي الجانب الآخر اختار بعد الكتاب تقصي تاريخها والوقوف عند أهم الشخصيات الجداوية والمواقف التاريخية والحياة الاجتماعية والاقتصادية، وهذه الدراسات التاريخية ازدهرت في الآونة الأخيرة وكثر كتابها. ونحن في ثقافة اليوم نقدم آراء نخبة من الكتاب والأدباء والمؤرخين الذي وقفوا مع ما كتب عن جدة في الإبداع الأدبي والتاريخ. في مطلع هذا الاستطلاع تحدث الشاعر والناقد الدكتور يوسف العارف الذي توقف عند نفر من الشعراء محللاً بعض قصائدهم التي قيلت في جدة وقال: .. للأماكن شعريتها وفضاءاتها النصية، وللشعر صولاته وجولاته المكانية.. وبين الشعر والمكان يتقمص الشاعر روح المكان وتعالقاته الجمالية، ليصوغ من ذوب قلبه وفؤاده ومشاعره وخلجات نفسه ويقين ذاكرته نصه الشعري متما مع فضاءات المكان الزمانية و الوجدانية والاجتماعية، وينبثق من ذلك كله نصاً شعرياً تقارب تلك الفضاءات ويشي بدلالاتها ورمزيتها. العارف: قصيدة حمزة شحاته أصبحت معلماً شعرياً من معالم جدة ومن تلك الأماكن "جدة/ عروس البحر الأحمر" التي كانت – ولازالت – نبضاً يسري في أوردة الشعراء الذين استهوتهم جدة وسكنوها منذ قديم الزمان وسالف الأيام.. ولعل شعراء مثل أحمد قنديل وطاهر زمخشري وعمر عبد ربه وحسن القرشي ومحمد حسن عواد وغيرهم قد تغنى بهذه المدينة واصفاً بحرها وشاطئها ومكوناتها الجمالية ولكن أكثر الشعراء حضوراً في هذا المجال هو شاعر جدة المرحوم –إن شاء الله – حمزة شحاتة الذي قال: النهى بين شاطئيك غريق والهوى فيك حالم لا يفيق ورؤى الحب في رحابك شتى يستفز الأسير منها الطليق ومغانيك في النفوس الصديات إلى ريها المنيع رحيق إلى أن يقول: جدتي أنت عالم الشعر والفتوه يروي مشاعري ويروق وأصبحت هذه القصيدة معلما شعريا من معالم جدة الثقافية ولعلي – في هذه المشاركة العاجلة – أقف عند ثلاثة شعراء معاصرين كانت لهم نصوص جداوية وهم من أبنائها الشعراء الذين أنجبتهم، وأنضجتهم شعريا وتعالقوا مع فضاءاتها الحياتية ومنجزاتها الحضارية وصوروا كل ذلك شعرا يستحق القراءة والاستماع. ولعل في مقدمة هؤلاء الشاعر الأنيق الرقيق يحيى توفيق الذي قال عن جدة: غادة البحر ماعشقت سواك السني منك والبهاء بهاك كم عرفت الهوى على شاطئيك ورشفت الرحيق بين رباك إيه يا جدة إن غربتني الليالي ففؤادي يهيم فوق رباك ياعروس الحجاز ليلك سحر وجمالك الوجود في مغناك وهي قصيدة طويلة لكن الشعرية تكمن في وصف جدة بمسميات جدية لم يسبقه إليها أحد من شعراء جدة منها فها هو يصفها ب: غادة البحر و: عروس الحجاز وهي تستحق تلك الأوصاف بكل تأكيد إضافة إلى جماليات جدة التي وثقها هذا النص/ رشفت الرحيق بين رباك، عرفت الهوى على شاطئيك، فؤادي يهيم فوق رباك، ليلك سحر، جمال الوجود في مغاك. أما الشاعر الثاني فهو أحمد باعطب رحمه الله الذي يقول عن جدة: طوبى وطوبى لعرس أتت كوكبه وأتت ربته جهداً ومكتسبا وأنت للعلم روض بالشذا عبق وأنت للحب نهر فاض وانسكبا وأنت للأرض تاريخ وفلسفة وأنت أبلغ مما قيل أو كتب والجمال الشعري في هذا النص نكتشفه من خلال السمات التي تميزت بها جدة. فهي ربة العرس وكوكبه وهذا مأخوذ من أقوال الشعراء السابقين عندما وصفوا جدة ب (عروس البحر) وهي روض عبق بالعلم وهذا مستنتج مما في جدة من جامعات ومدارس ومعاهد ومراكز تعليمية وتربوية. وهي نهر من الحب فاض وانسكب على كل من زارها أو عاش على ترابها. وهي – بعد كل ذلك – تاريخ وفلسفة للأرض حيث دفنت فيها أم البشرية (حواء) إن صحت الروايات التاريخية في ذلك. وأما الشاعر الثالث فهي ابنة جدة الشابة نجاة الماجد التي تغنت بجدة في ديوانها (والجرح إذا تنفس) عندما قالت: يا عروس البحر يا قطر الندى في هواك بات قلبي منشدا أي حسن أي فن ساهر قد تحلى قبل واجتاز المدى يا عروس البحر طرفي ساهر يرقب الليل وبحرا مزيدا اه من سحر لحيث ساقني كي أكون لها وعها منشدا يا عروس البحر يا حسنا أبدا وضياء ولا، ولن يتبددا وفي هذه الأبيات تظهر الروح الصادقة والوجدانيات الأنثوية نحو (عروس البحر) التي تصفها ب (قطر الندى) وفي هذا الوصف جمال شعري أنثوي بحت استعادت فيه تلك الأنوثة التي تشير إلى أشهر نساء مصر ابنة خمارويه بن أحمد بن طولون وزوجه الخليفة العباسي المعتضد تم نجد عيادات الفن الساحر، والطرف الساهر والبحر المزبد والضباء الذي لا يتبدد!! وهناك شعراء آخرون لايستوعب الوقت ولا المساحة المخصصة لذكرهم أمثال: عبد المحسن حليت وعبد الإله جدع، وغيرهم كثير. إلا أن الباحث الدكتور عدنان عبدالبديع اليافي يختار منحىً آخر في هذا الاستطلاع فيقف عند الكتابات التاريخية التي تناولت تاريخ جدة السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي وقال: جدة هذه المدينة العريقة التي تضرب جذور تاريخها في أعماق الزمن، لدرجة أن بعض المصادر التاريخية تنسبها إلى أم البشر حواء وتنسب السيدة حواء لها، وهو أمر يصعب إثباته أو نفيه. ولكن الثابت علميا أن تاريخ جدة يعود لأكثر من الفي عام على أقل تقدير حيث وجدت نقوش بالقرب من جدة تعود لثمود التي سكنت جدة قديما. فقد وجد نقش ثمودي اسمه "ساكت" يتحدث عن مرض زوجه "جمأت" ويدعو الله عز وجل أن يشفيها من الحمى التي كانت قد أصابتها. اليافي: لم تفرد كتب عن تاريخ جدة ومن المعروف أيضا أن قضاعة سكنت جدة. فقد ولد لقضاعة حفيد بجدة سمي باسم الموضع "جدة" وهو جدة بن حزم بن ريان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الذي يقول ياقوت الحموي في معجمه: إن أبا المنذر قال: إنه ولد بجدة فسمي باسم الموضع. وهنالك شواهد أخرى كثيرة على قدم جدة وقدم استخدامها ميناء لمكة المكرمة. فعلى سبيل المثال يذكر عبدالقدوس الأنصاري - رحمه الله - إنه مما يدل على قدم جدة "أن الاسكندر المقدوني جاء مكة في حياة النضر ابن كنانة، ثم قطع البحر من جدة يؤم بلاد المغرب على ما ذكره أحمد بن داود الدنيوري" وقد ذكر عبدالقدوس الأنصاري أن الإسكندر المقدوني عاش في القرن الرابع قبل الميلاد (356-323 ق م.). والشواهد على هذا القدم كثيرة جدا تناولها المؤرخون والرحالة في مصادرهم التاريخية المختلفة، خاصة تلك التي تعنى بتاريخ مكة المكرمة أو التي تحدث الرحالة فيها عن رحلات حجهم إلى البلد الحرام. وبالرغم من قدم مدينة جدة إلا أننا لم نر كتبا تفرد لتاريخها قبل القرن العاشر الهجري عندما كتب عبدالقادر بن فرج المتوفى سنة 1010 ه كتابه "السلاح والعدة في تاريخ بندر جدة" ثم تلاه في القرن الرابع عشر الهجري الشيخ أحمد الحضراوي المتوفى - رحمه الله - عام 1327ه بكتابة "الجواهر المعدة في فضائل جدة" وهما كتابان اقتراحان لرسالتين صغيرتين اعتمدتا كثيرا على المصادر المختلفة المكية التي سبقت إصدارهما. يضاف إلى ذلك مختصر تاريخ جدة لخطيب جدة الشيخ حسن ابو الحمايل، ومذكرات الشيخ محمد صالح بن علي باعشن رحمهما الله اللتين صدرتا بعد ذلك بقليل. وقد استمر ذلك "الجفاف" التاريخي لجدة حتى أوائل الستينيات الميلادية عندما أصدر الشيخ عبدالقدوس الأنصاري - رحمه الله - موسوعته عن تاريخ جدة فانبلج صبح توثيق تاريخ جدة بطريقة معاصرة. لذا فإنه يمكن القول إن الرعيل الأول من مؤرخي مدينة جدة هم جيل الشيخ عبدالقدوس الأنصاري - رحمه الله - صاحب أحد أهم كتب تاريخ لهذه المدينة والموسوم "موسوعة تاريخ مدينة جدة" والذي صدرت طبعته الأولى عام (1383ه - 1963 م). وكان من هذا الرعيل الأول أيضا الشيخ احمد ابراهيم الغزاوي - رحمه الله - الذي أرخ لجدة في شذرات خصصها لجدة في سفره "شذرات الذهب". كما ينتمي الشيخ محمد علي مغربي - رحمه الله - الذي وصف الحياة الاجتماعية في جدة وتحدث عن كثير من أعلام هذه المدينة العريقة في القرن الرابع عشر الهجري إلى هذا الرعيل المتقدم من مؤرخي جدة. وقد تناول هؤلاء الأعلام من ذلك الجيل السابق رحمهم الله تاريخ جدة وكتبوا عن مدينتهم بشكل عام وموسع بخلاف من جاء بعدهم ممن أرخ لجدة أو كتب عنها من المعاصرين، - مثل المرحوم الأستاذ محمد صادق دياب والأستاذ محمد يوسف طرابلسي والباحثة فاطمة عبدالعزيز سليمان الحمدان والدكتور مبارك محمد المعبدي والباحثة نوال سراج ششه والباحثة صابرة مؤمن اسماعيل والشيخ ابراهيم محمد الحسون رحمه الله والمهندس وهيب أحمد فاضل كابلي والكاتبة ليلى النعماني علي رضا والدكتور جمعان الغامدي والاستاذ عباس بن محمد سعيد الفضلي والأستاذ عمر أبوزيد والباحثة سلوى عبدالقادر السليمان وأخيرا وليس آخرا شيخنا ومعلمنا الشيخ محمد درويش رقام متعه الله بالصحة والعافية وآخرين - بطرق تختلف عمن سبقهم فلم تكن كتب معظم هؤلاء الباحثين ذات طابع شمولي، بل هي ذات طابع تخصصي سواء في الموضوعات أو الأزمنة التي تناولوها أو المواقع التي ناقشوها أو غير ذلك. حيث أن معظم هؤلاء الباحثين المعاصرين كتبوا عن جدة بتخصص فتحدث بعضهم عن جدة كما كانت في فترات زمنية محددة مثل الدكتورة نوال سراج ششه التي جعلت كتابها عن "جدة في مطلع القرن العاشر الهجري". بينما ركزت الباحثة صابرة مؤمن اسماعيل على تاريخ جدة خلال الفترة 1286 - 1326ه/ 1869 - 1908م. فيما تناول الدكتور مبارك محمد المعبدي نشاط تاريخ مدينة جدة التجاري خلال الحكم العثماني الثاني 1256 - 1335ه/ 1840-1916م. وتناول الدكتور محمد جمعان الغامدي تاريخ جدة في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله. كما أفرد المهندس وهيب كابلي كتابه عن فئة من مجتمع جدة وهم فئة الحرفيين في مدينة جدة. وكان كتاب الباحث الأستاذ عباس بن محمد سعيد الفضلي عن "حي النزلة اليمانية" تخصيصاً. بينما تناولت الباحثة سلوى عبدالقادر السليمان تاريخ جدة في "العصر المملوكي". واختص كتاب الأستاذ محمد صادق دياب بالحياة الاجتماعية في جدة كما اختص كتابه الآخر عن المفردات العامية في هذه المدينة العريقة. وركز الشيخ محمد درويش رقام موضوع كتابه على توثيق بيوت جدة القديمة. كما أن كاتب هذا المقال تناول تاريخ جدة في شذرات الغزاوي في كتاب خصص لذلك كما تناول أيضا في كتاب آخر تاريخ مدينة جدة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين في الكتاب الموسوم "جدة في صدر الإسلام". ونظن أن الرعيل الأول من مؤرخي جدة هم من وضع الأسس الأولى لتوثيق تاريخ هذه المدينة العريقة مستمدين ذلك من كتابات من سبقوهم من مؤرخين ورحالة، بينما أكمل الجيل الحالي من المؤرخين والكتاب مشوار هذا التوثيق التاريخي الهام لمدينة جدة بتخصص أكثر وأدق ونتطلع للمزيد إن شاء الله. أما القاص والكاتب عمرو العامري قد عد مسحاً شاملاً لكل ما كتب عن جدة سرداً وقال: وبقي حضور جدة هامشيا في الأعمال الروائية.. ولم تكن جدة كمدينة وكفضاء هي البطل الرئيس في أي عمل روائي كالاسكندرية مثلا من خلال روايات إبراهيم عبد المجيد والبهاء طاهر او طنجة كما في روايات محمد شكري "السوق الداخلي" تحديداً. وبقي حضور جدة من خلال الأبطال العابرين كما في "سور جدة" لسعيد الوهابي أو "فتنة جدة" لمقبول العلوي والذي اتكأ على حادثة تأريخية وحتى "الكراديب" لتركي الحمد كان البطل عابرا من خلال السجون. العامري: كل الأعمال الإبداعية لم تلامس روح جدة وتاريخها ربما كان عبده خال الروائي الوحيد الذي تعمق في حواري جدة وعوالمها الداخلية كما في مدن "تأكل العشب" و"فسوق" و"لوعة الغاوية". لكن هذه المقاربات بقيت تتكئ على شخوص وأحداث وليس على عمل ملحمي يكتب عن جدة كرواية كما في أعمال شكري عن طنجة. عمل يعمق خصوصية جدة كمدينة مفتوحة لكل الأجناس والثقافات. طاهر الزهراني تعمق قليلاً في المسكوت عنه في قعر المدينة وأزقتها الخلفية عبر روايته "أطفال السبيل".. لكن هذا المسكوت عنه كان عابرا وقصيرا ولامس موضوعا محددا.. موضوع العلاقات المحرمة. ولن أنسى حجي جابر وهو يعالج موضوع الهوية في رواياته "سمراوسيت".. هوية أبناء جدة ذوي الأصول المختلفة أيضا جدة في الأساس مدينة بحرية عاشت وخرجت من الماء ولا أحد في ما أظن لامس هذا الموضوع أبدا.. هل لأن جدة ظلت دائما مولية صوب الصحراء كبوابة لمكة المكرمة أم أن جدة قامت على التجارة وعلى ما يخدم الحجيج ولم تكن يوما أبدا مدينة تحيا من الماء وتغتسل في الماء. كل الأعمال الروائية التي قرأتها لم تلامس روح جدة.. جدة البحر والحارات والرواشين والتاريخ الموغل في انتظار القادمين.