حجبت السلطات العراقية منذ أسابيع موقع الجزيرة نت عن معظم خوادم الإنترنت في جنوب ووسط العراق -ضمنها العاصمة بغداد- من دون إعلان رسمي عن ذلك أو توضيح لدوافع هذه الخطوة. ويثير الحجب تساؤلاتبشأن واقع حرية التعبير والإعلام في العراق، وقالت مصادر إعلامية متنفذة -فضلت حجب هويتها- إن السبب وراء ذلك هو عرضالجزيرة لحلقة من برنامج "الصندوق الأسود" تناولت السيرة السياسية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ووفقا لهذه المصادر فإن الحجب تم من قبل وزارة الاتصالات المسندة إلى منظمة بدر الحليفة الرئيسية للمالكي، وهو ما يشير إلى وجود دوافع سياسية وراء عملية الحجب. ولم تجب وزارة الاتصالاتعن أسئلة الجزيرة نتبشأن الأسباب الحقيقية للحجب، فيما نفت هيئة الإعلام والاتصالات المسؤولة عن تنظيم عمل المؤسسات الإعلامية وترخيصها أو منعها صلتها بالموضوع، مؤكدة أن المواقع الإلكترونية خارج اختصاصها. خنق الحرية وتأتي هذه الخطوة في سياق ما أعلن عنه مجلس الوزراء مؤخرا عن حجب عدد من المواقع التي تتهمها الحكومة بإثارة النعرات الطائفية والعنصرية أو دعم "الإرهاب". وقال مدير مرصد الحريات الصحفية زياد العجيلي للجزيرة نت إن هناك عبثية في عملية حجب المواقع في العراق، حيث تتعامل السلطات مع هذا الموضوع من باب "عدم احترام مبدأ سيادة القانون"، ووصف الخطوة بأنها أمنية، وتابع أن بعض الأجهزة الأمنية تنفرد باتخاذ مثل هذه القرارات من دون الاكتراث للقانون. الحجب شمل تطبيق الجزيرةعلى الهواتف الجوالة ويؤكد العجيلي أن هذه العملية أصبحت مكلفة للدولةولاجدوى منها، حيث إن اختراق الحجب لم يعد أمرا صعبا في ظل وجود برامج وتطبيقات متطورة. ويختم حديثه بأن "حمل السلاح في الشارع اليوم أسهل من حمل الكاميرا"،وأكد عدم وجود حريات صحفية حقيقية في الشارع الذي تمنع السلطات الأمنية العمل فيه من دون موافقات مسبقة ومعقدة. بصمات سياسية وعلى الرغم من تكرار الحكومة العراقيةأنها تحمي المؤسسات الإعلامية، وأن القانون يكفلحرية التعبيرللجميع بغض النظر عن اتفاق الحكومةأو اختلافها معهمفإن ثمة كثيرين يشككون في هذه "المزاعم". ويرى الصحفي والمحلل السياسي أحمد سعيد أن البصمة السياسية واضحة في القرار، مشيرا إلى أنه لا توجد حرية تعبير حقيقية في العراق، فالسلطة ترغب بوجود "أبواق" لها وليس مؤسسات رصينة تنقل الحقيقة وتشخص مواطن الخلل. ويذكر سعيد بعدد من الحالات المشابهة المتمثلة في إغلاق محطات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، مبديا أسفه لعودة هذه الثقافة من جديد في عهد العبادي الذي وعد بأن يكون تعامله مع السلطة الرابعة "مختلفا". ويؤكد سعيد أن الفضاء المعلوماتي واسع، وبالإمكان تلقي المعلومات من مصادر مختلفة، لكن الجزيرة نت لها حضور لافت في الملف العراقي، خاصة في ما يتعلق برصد النفوذ الإقليمي المتزايد في البلاد، والفساد المالي وغير ذلك، وهو ما لا يرضي بعض المتنفذين وأصحاب القرار. ويخلص إلى أن حجب الجزيرة نتيعني فقدانصوتيستطيع التعامل مع هذه الملفات بموضوعية، فيما تعجز وسائل الإعلام المحلية عن ذلك، إما تجنبا للمساءلة والمنع، أو سيرا في ركاب الخطاب الحكومي، على حد تعبيره.