إن إقالة البرتغالي جوزيه مورينهو من تدريب تشلسي الانكليزي بعد حوالي 7 أشهر فقط على قيادته للظفر بثنائية لقب الدوري الممتاز، سيرسخ على الأرجح سمعته كالمدرب الذي يضمن تحقيق النجاح على المدى القصير دون أن يتمكن من ترك ارث له على المدى الطويل. فالمدرب البرتغالي الذي أطلق على نفسه "المدرب المميز" خلال فترة النجاحات الأولى في مسيرته، عاد إلى "ستامفورد بريدج" في يونيو/ حزيران 2013 بعد ثلاثة أعوام صعبة للغاية مع ريال مدريد الإسباني. وعندما عاد مجددا إلى النادي اللندني الذي اشرف عليه بين 2004 و2007، تحدث مورينهو عن رغبته في ترك ارث من خلال تشكيل فرق قادرة على تحقيق نجاحات متتالية، لكن مغامرته الثانية مع الـ "بلوز" لخصت مسيرته بأكملها: مرحلة تأقلم ثم موسم أو اثنين من النجاحات الملفتة وبعدها ينهار كل شيء. "مورينهو يحرق لاعبيه بعد عام ونصف أو عامين كحد أقصى"، هذا ما قاله عن مورينهو مدرب منتخب انجلترا سابقا الايطالي فابيو كابيلو في أوائل الموسم الجاري، مضيفا: "لقد سمعنا هذا الأمر عندما كان في مدريد (مع ريال) والآن حصلنا على التأكيد في لندن". أنهى مورينهو الموسم الأول من مغامرته الثانية مع تشلسي دون أي لقب وذلك للمرة الأولى في مسيرته التدريبية لكنه أعاد تنظيم الفريق بشكل مذهل حيث استعاد الحارس البلجيكي تيبو كورتوا الذي كان معارا إلى اتلتيكو مدريد الإسباني، وضم الاسبانيين دييغو كوستا وسيسك فابريغاس اللذين ساهما بشكل فاعل في هيمنة الفريق اللندني على الدوري الممتاز وتتويجه بكأس الرابطة على حساب جاره توتنهام هوتسبر. اعتبر مورينهو أن فوز تشلسي باللقب الموسم الماضي جاء ليبرر صحة قراره بالعودة إلى "الدوري الأصعب في العالم"، لكن أين هو مورينهو بعد سبعة أشهر من هذا التتويج. إن من تابع مباريات تشلسي خلال الأشهر الأولى من موسم 2015-2016، شاهد كيف تفككت استراتيجيات مورينهو بسرعة البرق، إذ إنه، ورغم ترشيحه كالفريق الأوفر حظا للفوز باللقب للموسم الثاني على التوالي، بدا الفريق شبحا للفريق الذي فرض هيمنته الموسم الماضي ما تسبب بسقوطه في 9 من أصل المباريات الـ 16 الأولى في الدوري الممتاز وأدى إلى تقهقره في المركز السادس عشر. بعيد كل البعد عن "المدرب السعيد" لطالما اعتاد مورينهو على اعتماد مقاربة مهاجمة الخصوم واثارة الجدل في تصريحاته الجريئة، وذلك كأسلوب سمح له في السابق بتحفيز لاعبيه لكن يبدو أن هذا الأمر لم يجد نفعا هذا الموسم وابرز دليل على ذلك الخندق العميق الذي سقط فيه مع فريقه هذا الموسم. من المؤكد أن ما عاشه مورينهو هذا الموسم يشكل حقبة سوداء في مسيرته التدريبية ويعود السبب في ذلك إلى وصوله لمرحلة فقدان القدرة على تحفيز لاعبيه. ويبدو أن مورينهو فقد سحره تجاه لاعبيه لان توجيهاته لم تجد طريقها إليهم كما أن الأسلوب الذي اعتاد عليه بمهاجمة مدربي ولاعبي الفرق الأخرى من اجل تحفيز لاعبيه لم يصل إلى النتائج المرجوة. كما استعاد مورينهو خلال هذا الموسم حقبة سوداء أخرى في مسيرته أعادت إلى الذاكرة مهاجمته للحكم السويدي انديرز فريسك العام 2005 بسبب طرده العاجي ديدييه دروغبا في دوري أبطال أوروبا أمام برشلونة الإسباني، أو اعتدائه على مساعد مدرب برشلونة الراحل تيتو فيلانوفا خلال مباراة الفريقين العام 2011، وذلك بعد استبعاده طبيبة النادي ايفا كارنيرو عن المباريات والتمارين بسبب ما حصل في المرحلة الافتتاحية ضد سوانسي سيتي (2-2) عندما دخلت إلى أرضية الملعب من أجل معالجة البلجيكي ادين هازار. وكان تشلسي يلعب حينها بعشرة أفراد بعد طرد حارسه البلجيكي تيبو كورتوا، وبدخول كارنيرو خلال الوقت بدل الضائع من اللقاء أصبح النادي اللندني بتسعة لاعبين في وقت كان يحاول خطف هدف الفوز على أرضه وبين جماهيره. وهذا التدخل من كارنيرو لم يعجب مورينهو على الإطلاق وهو عوضا عن انتقاد الحكم لطرده كورتوا ركز في المؤتمر الصحافي بعد المباراة على ما قامت به الطبيبة، قائلا: "لم أكن سعيدا على الإطلاق بما قام به الطاقم الطبي لأنه حتى أن كنت طبيب الفريق أو أمين سر، فوجودك على مقاعد الاحتياط يحتم عليك أن تفهم اللعبة. إذا دخلت إلى أرضية الملعب من أجل معالجة لاعب فيجب أن تكون متأكدا من أن هذا اللاعب يعاني من مشكلة خطيرة". وقد دفعت كارنيرو ثمن قيامها بواجبها الطبي بعدما استبعدت عن الفريق الذي رحلت عنه لاحقا ما تسبب بانتقادات كثيرة للمدرب البرتغالي الذي أعلن عن نفسه "المدرب السعيد" لحظة عودته مجددا إلى الدوري الانجليزي الممتاز والى الفريق الوحيد الذي أحبه حقا إلى جانب انتر ميلان إذ حصد النجاح الملفت أيضا بين 2008 و2010 وتوج معه بلقب دوري الأبطال. لكن من المؤكد أن مورينهو ليس بـ "المدرب السعيد" في الوقت الحالي ومن المستبعد جدا أن نراه يجلس مجددا على مقاعد بدلاء النادي اللندني رغم حبه للـ "بلوز"، بل بالأحرى من المستبعد أن نراه في المستقبل القريب جالسا على مقاعد بدلاء أي فريق من العيار الثقيل في ظل غياب فرص العمل مع "الكبار". لكن المشوار ما زال طويلا أمام مورينهو الذي لم يتجاوز الثانية والخمسين من عمره، وآفاق المستقبل مفتوحة لإضافة ألقاب جديدة إلى سجله الذي يتضمن حتى الآن ثمانية ألقاب في الدوري، وسبعة في الكأس واثنين في دوري أبطال أوروبا، لكن يبقى عليه البحث عما يفتقده من استمرارية وثبات والتخلص من عقدة تسلسل النجاحات على المدى الطويل مع نفس الفريق.