طغى القلق من الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان خلال الأيام الثلاثة الماضية على المشهد السياسي المحلي، سواء بالهجومين الانتحاريين على الجيش في صيدا ليل الأحد - الاثنين، أو بانفجار السيارة المفخخة في جرود بلد صبوبا في منطقة اللبوة في البقاع الشمالي والتي استهدفت مركز تبديل لقوات «حزب الله» المقاتلة في سورية فجر أول من أمس. لكن الأحداث الأمنية فرضت أيضاً بعض الخطوات الانفتاحية، فأجرى رئيس الجمهورية ميشال سليمان اتصالاً هاتفياً أمس برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية محمد رعد «للاطمئنان الى صحة جرحى الاعتداء الإرهابي الذي حصل في صبوبا أول من أمس»، كما قالت محطة «المنار» التابعة للحزب. ورجحت مصادر مطلعة لـ «الحياة» أن يتبع هذا الاتصال مزيد من التواصل بين الجانبين وأن تعقد لقاءات في القصر الجمهوري بين رعد والرئيس اللبناني. ومن جهة ثانية، قالت مصادر قيادية في قوى 14 آذار إن مشاورات جرت خلال الساعات الماضية بين أقطابها. وعُقد اجتماع، أول من أمس، بين رئيس حزب «الكتائب»، الرئيس السابق أمين الجميل ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي اجتمع بدوره الى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لتنسيق الموقف من الوضعين السياسي والأمني في البلاد. وعلمت «الحياة» أن هذه القيادات تبحث خطة تحرك محلية وخارجية في ما يخص المأزق السياسي الذي بلغته الأزمة الداخلية، واستمرار الخلاف على معالجة الاستحقاق الحكومي والاستحقاق الرئاسي بين اللبنانيين، وفي ضوء التطورات الخارجية، لا سيما الاتفاق بين إيران والدول الغربية. وأوضحت مصادر قوى 14 آذار أن بين الأمور التي يناقشها قادة هذه القوى الانفتاح على إيران في ضوء مقاربة جديدة تفرضها التطورات الخارجية، لا سيما التقدم في المفاوضات حول ملفها النووي. وأشارت المصادر لـ «الحياة» الى أن السنيورة كان بعث الى الرئيس الإيراني حسن روحاني برسالة خطية إثر انتخابه في حزيران (يونيو) الماضي، تضمنت أفكاراً سياسية محددة. وزار السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي السنيورة لشكره على تهنئة روحاني. وعاد السنيورة فبعث برسالة ثانية الى الرئيس روحاني إثر الاتفاق بين طهران ودول 5+1 في جنيف في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حيث طرح السنيورة مجموعة أفكار حيال هذا الاتفاق وموقف كتلة «المستقبل» النيابية ورؤية السنيورة للعلاقات الإيرانية – العربية والإيرانية – اللبنانية وتصوره للوضع الإقليمي وموقع إيران فيه، لا سيما إزاء الأزمة السورية وسلوكها حيالها، وانعكاسات هذه الأزمة على لبنان، لا سيما بعد تورط فرقاء لبنانيين، خصوصاً «حزب الله» فيها. وذكرت المصادر أن الرئيس أمين الجميل، عند زيارته السفارة الإيرانية إثر التفجير الذي تعرضت له، ناقش الوضع اللبناني مع السفير الإيراني في ضوء التطورات الإقليمية والدولية، وتلقى دعوة لزيارة إيران. وأوضحت المصادر أن هذه الوقائع فرضت مشاورات بين قيادات 14 آذار حيث اتفق على توحيد الموقف والرؤية من التعامل مع الجانب الإيراني، ستستكمل خطواته في الأيام المقبلة، ولم تستبعد المصادر أن تشمل خطة تحرك 14 آذار الخارجية، إضافة الى إيران الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وأطلقت التطورات الأمنية مواقف تضامن مع الجيش اللبناني، من الاتجاهات كافة، فيما شارك عدد من سفراء الدول الكبرى المسؤولين اللبنانيين مخاوفهم من مزيد من انزلاق الحرب السورية الى لبنان، فأكد السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل، في لقائه مع رئيس البرلمان نبيه بري حرص بلاده على حفظ الاستقرار في لبنان ودعمها الجيش اللبناني، في مواجهة الأعمال الإرهابية، كما قالت مصادر مطلعة على نتائج اللقاء، فيما اعتبر السفير الروسي ألكسندر زاسبكين بعد لقائه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أن المجتمع الدولي مهتم بالحفاظ على لبنان الآمن وهذا الأمر من أولويات روسيا. وفيما حطت في مطار رفيق الحريري الدولي أمس طائرة روسية تحمل 45 طناً من المساعدات للنازحين السوريين، كما أوضحت مصادر مطلعة أن السفير الأميركي نصح بحصول تعاون بين الفرقاء اللبنانيين من أجل حفظ الاستقرار فيه ومواجهة ضغط الأزمة السورية عليه، إن على الصعيد الأمني أو على صعيد قضية النازحين، وتمنى اتفاق هؤلاء الفرقاء على تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة لأن لبنان لا يتحمّل المزيد من الخضات والمشاكل، بعد أن استفسر عما آلت إليه الجهود لمعالجة الخلافات حول الاستحقاق الحكومي. وكان رئيس الجمهورية ميشال سليمان تابع التحقيقات في الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان خلال الأيام الماضية وشدد في لقاءين له مع وزير الداخلية مروان شربل وقائد الجيش العماد جان قهوجي على «التصدي بحزم للاعتداءات الإرهابية واعتقال القائمين بها»، فيما رأى الرئيس بري أن استهداف الجيش (في صيدا) «يشكل تتويجاً لاستهداف مؤسسات الدولة وهو أمر خطير للغاية ينذر بإغراق البلد في الفوضى». وقال: «عندما يكون الوطن في خطر علينا ألا نسكت عما يحصل وأن نسمي الأشياء بأسمائها». وفي واشنطن، أدرجت الخارجية الأميركية القيادي في تنظيم «فتح الاسلام» أسامة أمين الشهابي على لائحة الارهاب، مشيرة الى ارتباطاته بـ «جبهة النصرة» في سورية. وقالت، في بيان، ان جماعة «فتح الاسلام» التي تأسست في ٢٠٠٦، «تهدف الى فرض الشريعة في المخيمات الفلسطينية وتدمير اسرائيل» وأن الشهابي «يلعب دورا محوريا في المنظمة». وأضافت أن الشهابي «تم تعيينه أخيرا رئيسا للجناح الفلسطيني لجبهة النصرة السورية في لبنان»، والتي وضعتها واشنطن على لائحة الارهاب في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢.