بيروت: نذير رضا آثر المقدم المظلي المنشق خالد الحمود الابتعاد عن المشهد الثوري في سوريا، و«الاعتكاف» عن العمل العسكري، بعدما «اختلط الحابل بالنابل» في البلاد. فالضابط الذي تولى لمدة عام تقريبا موقع الناطق باسم الجيش السوري الحر، هالته الانقسامات الداخلية التي عمت المعارضة، وسط اتساع نفوذ الإسلاميين في شمال سوريا، وتعرض قيادات معتدلة للاغتيال أو التهميش.. ففضل الابتعاد «ريثما يتضح المشهد»، انطلاقا من قناعة عنده بأنه خرج «لقتال النظام السوري فقط»، قائلا: «لست بصدد رفع السلاح بوجه أي سوري آخر». وحال الحمود تشبه حال كثيرين ممن انشقوا في بدايات الثورة السورية عن الجيش، بعد أسابيع قليلة على انطلاق الحراك ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في 15 مارس (آذار) 2011. ورغم إصرارهم على الاحتفاظ بموقعهم المعارض، فإن الاقتتال الذي تشهده البلاد، وانفجر أخيرا بسيطرة فصيل معارض على مستودعات قيادة الأركان في الجيش السوري الحر شمال سوريا، دفعهم لاتخاذ موقع الحياد، رغبة في عدم الانخراط في اقتتال داخلي «لن يؤدي إلا لشرذمة الثورة، وإضعافها أكثر» كما يقول الحمود. وفيما ابتعد بعض الضباط والقياديين عن العمل الثوري، تعرض آخرون للاغتيال، بينما هاجر آخرون إلى بلاد أوروبية. ويقول الحمود لـ«الشرق الأوسط» إنه اختار الاعتكاف «لأنني قررت منذ البداية الثورة على النظام فقط». يحزنه الآن انقسام الفصائل، واقتتالها. يقول إن البعض «يضخم ممارسات الإسلاميين»، في حين «يسجل لبعض المعتدلين أيضا انقسامهم، وعملهم، من غير قصد، على إضعاف الثورة وتحييدها عن مسارها الصحيح الهادف إلى إسقاط النظام». يختصر الواقع بالقول: «الفساد والرغبة بالسلطة ليس مقتصرا على طرف دون الآخر. في كل فصيل (سوسة).. ويساهم هؤلاء في زيادة شرذمة المعارضة». وسط هذه الفسيفساء لم يجد حمود حلا أبلغ من الاعتكاف. يقول: «لست بصدد رفع سلاح بوجه أي سوري في ظل الانقسامات، ولن أنحاز لطرف دون الآخر، أو أغطي على ممارسات بعض المنتهكين لمبادئ الثورة. كما أنني فضلت الابتعاد في ظل التصفيات على حسابات دينية أو سياسية». وهو ما بات رائجا في شمال سوريا، حيث يعتقل قياديون، ويقتل آخرون، وتمارس ضغوط على ناشطين ميدانيين وقادة ميدانيين قاتلوا في صفوف الجيش السوري الحر. وسجلت خلال الفترة الماضية هجرة قادة كثيرين إلى خارج سوريا. كان العميد الركن مصطفى الشيخ من أبرز الذين هاجروا إلى السويد، وكان الشيخ أرفع رتبة عسكرية بين المنشقين حتى عام 2012. ومعروف بأنه رجل عسكري علماني، واختار الهجرة بعد «بدء الإلغاء والاقتتال على خلفيات طائفية في البلاد». وغاب قادة كثيرون برزوا في بدايات الثورة عن المشهد العسكري الحالي. ينفي اللواء الطيار محمد الفارس الذي كان من أوائل المنشقين، أنه معتكف، رغم ابتعاده عن العمل العسكري وإقامته في إسطنبول. يقول لـ«الشرق الأوسط» إن كثيرين «مارسوا ضغوطا كبيرة علينا بهدف إبعادنا». ويشرح: «الضغط ليس مباشرا، لكنه أسلوب لطيف لتهميشنا، بحيث لم يتجاوب أحد معنا، وأقصينا ماديا ومعنويا، فضلا عن الدعم بالسلاح، ما اضطرنا للابتعاد». ولا ينفي الفارس أن شخصيات عسكرية نافذة ميدانيا «حاربتنا بشكل كبير». ويقول أحد زملائه المنشقين لـ«الشرق الأوسط» إن الفارس المقيم في إسطنبول، يعاني أزمة مالية خانقة، بعدما صرف ما كان بحوزته في بداية انشقاقه والمشاركة في الأعمال العسكرية ضد النظام. العقيد أحمد حجازي، رئيس أركان الجيش السوري الحر السابق يبتعد عن العمل العسكري، مشيرا إلى «استثنائه من المهام العسكرية بعد تشكيل القيادة». ورغم «المشهد السوداوي الذي يطغى في البلاد، نتيجة الانقسامات وصراع الإخوة على مكاسب ونفوذ، وإلغاء بعضهم البعض»، فإن حجازي لا يشجع على الهجرة. يقول: «البلد بلدنا، وعزنا وقيمتنا في هذا البلد.. لن نتحول إلى غرباء ولاجئين، في حين لا يزال يؤمن الشعب السوري بضرورة إسقاط النظام، ونيله حريته».