×
محافظة الرياض

إقبال كثيف على مراكز الاقتراع في منطقة الرياض

صورة الخبر

إن أكثر ما يؤثر على صفاء الرؤية هو اختلاط العيوب بالمحاسن، وإدخال الحق القليل على الباطل الكثير. فلو تخيلنا أن أحدهم دعا إلى إلغاء وزارة الحج بدعوى أنها تشكل عبئا على الدولة، وأن ما تبذله من جهد في مجال الحج لا يذكر بالنسبة إلى الدور الذي تقوم به وزارة الداخلية، كما أن الناس لن يشعروا بغيابها فيما لو ألغيت، إذ لو سألت عن اسم وزيرها، أو الدور الذي تقوم به دون غيرها، لقال لك السواد الأعظم من الناس: إنه لا يعرف، ولا شك في أن هذا التبرير منطقي جدا، وقد يأخذ به كثير من الناس، كما أني لا أعتقد بوجود عاقل سيشكك في نوايا صاحب هذا المقترح أو عقيدته أو دينه، فضلا عن تكليف نفسه بالذهاب إلى المحاكم لإقامة دعوى عليه، بحجة أنه يحارب العقيدة والدين، وإذا وجد من يفهم ذلك على أنه دعوة إلى إلغاء الحج، فلا بد أن يكون مجنونا أو مريضا نفسيا، والعياذ بالله! لكن، تخيل أن يدخل محتسب على الخط فيقول: إن هنالك حملة مشبوهة خبيثة ضد وزارة الحج؛ يقف وراءها أشخاص تغريبيون وعملاء، هدفهم إفساد المجتمع وإضلال الناس، وأمام هذا التخاذل منكم –معشر المسلمين- والصمت من الحكومة؛ تمادى أهل الباطل في غيهم حتى وصل الحال بهم حد الدعوة إلى إلغاء الركن الخامس من أركان الإسلام، والله تعالى يقول: "الحَج أشَهر مَعلومَات فَمَن فَرَضَ فيهن الحَج فَلا رَفَثَ وَلا فسوقَ وَلا جدَالَ في الحَج وَمَا تَفعَلوا من خَير يَعلَمه الله وَتَزَودوا فَإن خَيرَ الزاد التقوَى وَاتقون يَا أولي الأَلبَاب"، كما أن الرسول عليه السلام يقول: "من مات ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا"، ألا فليعلم أولئك الزنادقة أن أموالنا وأنفسنا وأولادنا فداء لهذا الدين؟. وكم سيكون هذا المحتسب مؤثرا فيما لو تهدج صوته، وارتجفت نبرته، وغالبته دموعه! هذه حيلة نفسية، هدفها تجريم عمل مشروع، بإعطائه حكما آخر لعمل غير مشروع، فإن أخانا المحتسب أعلاه قد تعامل مع الداعي إلى إلغاء وزارة الحج على أنه يدعو إلى إلغاء الحج نفسه، وهذا كفر صريح بلا شك؛ ومن المؤسف أن هذه الحيلة إذا ما انطلت على السامع فسيصدر حكما قاسيا على شخص لم يذنب أصلا، فإن كان هذا السامع متطرفا، ورأى أن الدولة لم تقم بتطبيق حد الردة على هذا "الزنديق"، فقد يقرر هو نفسه أن يتولى تنفيذ هذه المهمة احتسابا! ويتعاظم هذا الخطر عندما يصدر هذا الرأي من جهة رسمية، لسببين، أولهما: أن المتطرفين يتعاملون مع الأحكام الصادرة عن جهة رسمية على أنها عدل مطلق، إذا كانت في صالحهم، وفي حال عدم إنفاذها من الدولة ربما اتهموها بممالأة خصومهم الذين يطلقون عليهم الزنادقة والملحدين! وثانيهما: أن هذه الجهات تملك سلطة رسمية ومحامين أقوياء، ربما كانوا أنفسهم متطرفين، وربما يشكلون ضغطا على القضاء من أجل الحصول على الأحكام التي تناسب تفكيرهم! لا ريب أن كثيرا من القراء سيحترم رأيي في جل ما قلت أعلاه، ومن لا يتفق معي فسيحسن الظن فيّ على الأقل، لكن بعضهم سينقلبون علي، فيما لو استبدلت الحديث عن وزارة الحج بالحديث عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه ربما تعشش في أذهانهم وترسخ في عقولهم أن جهاز الهيئة هو نفسه شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن المطالبين بإلغائه إنما يطالبون بإلغاءالشعيرة ذاتها!، مع أنهم لو تمعنوا قليلا في مقتضيات ما يعتقدون لأدركوا خطورته، لأنه سيقود بالضرورة إلى التشكيك في إيمان جميع المجتمعات الإسلامية -عدا المجتمع السعودي- لخلوها من الهيئة، إضافة إلى أن هذا الفهم معناه أن الاحتساب لا يتم إلا خلال مؤسسات رسمية، بمعنى أن الإنسان العادي محروم من خيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غير أني على الرغم من ذلك لا ألوم الإنسان العادي على هذا الفهم، إذا كان بعض منسوبي الهيئة غير قادرين على الفصل بين المقدس وغير المقدس، بدليل أنهم كثيرا ما يدافعون عن الجهاز بمحاولة إيهام الناس أن الخلاف معه هو خلاف على الشعيرة نفسها، فتراها تأتي بأدلة من الكتاب والسنة على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مؤكدة أن هذه الشعيرة هي الركن الأعظم من الدين، مع أن الناس في الغالب لا ينكرون ذلك ولا يحتاجون إلى تأكيده، بقدر ما أنهم ليسوا متأكدين من أن هذه الممارسات المحسوبة على الدين هي دينية فعلا. ولأن ما يعرفونه عن الحسبة في الإسلام وآدابها وشروطها وأركانها يختلف تماما مع ما يمارسه بعض المحتسبين ويحاولون إلصاقه بالدين، أي أن ما يقوم به بعض المنتقدين هو احتساب على هذا الاحتساب، ومع أني أؤمن بأهمية إصلاح هذا الجهاز وتطويره بدلا من إلغائه، إلا أنني أعترف بوجاهة رأي القائلين بهذا الرأي: من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقوم به كل مؤسسات الدولة،وليس هناك من عمل تقوم به الهيئة إلا وله جهاز حكومي مختص به، كما أني أعتقد أن وجود هذا الجهاز هو إجراء تنظيمي لا أكثر، ولو تم دمجه أو إلغاؤه فالشعيرة باقية ما دام الناس يتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر.