تابعنا مؤخرا الأزمة المحتدمة بين تركيا وروسيا عقب إسقاط الأولى طائرة عسكرية للروس اخترقت مجال تركيا الجوي، وما تبعه من أحداث وتوتر في العلاقات بين البلدين راحت إلى مستوى شديد التعقيد بسبب تعنتالروس وطلبهم إلزام الأتراك بالاعتذار عن إسقاط الطائرة والاعتراف بأنها كانت تحلق فوق الأجواء السورية وما استتبعه من فرض عقوبات اقتصادية وإلغاء اتفاقيات موقعة بين البلدين. قابل ذلك إصرار تركي وتمسك بالموقف من قبل تركيا إردوغان بأن تركيا بلد ذات سيادة وصاحبة حق فيما فعلت، وأنها حذرت قائد الطائرة المنكوبة مرارا وتكرارا ولكنه لم يستجب، وسبق أن أبلغت عن الانتهاكات الروسية لمجالها الجوي وأن تركيا لن تعتذر ولن تعتبر أن ما اقترفته يعد خطأ،ً بل يعد بمثابة دفاع ومحافظة على السيادة فوق أراضيها. والمتأمل للموقف الأوروبي والأميركي حيال هذا الموضوع الشائك وتحديداً حيال الشريك التركي العضو في حلف "الناتو" الذي تربطه وواشنطن علاقات قوية، حيث أكبر قاعدة عسكرية أميركية توجد فوق الأراضي التركية؛ يجده موقفا ضعيفا وباهتا أمام الهجوم الروسي الشرس على تركيا والذي وصل إلى حد اتهام تركيا بدعم الإرهاب وشراء النفط من المجموعات الإرهابية ومحاولات تأليب الرأي العام الداخلي ضد حكومة إردوغان، بل وتأليب الرأي العام العالمي ضد الدولة التركية، ولم نر شجبا وإدانة قوية للروس نتيجة ما فعلوه من اختراق المجال الجوي التركي من قبل الغرب، سوى تصريح خجول لأوباما. بعدها بأيام خرج وزير الخارجية الأميركي بتصريح يفيد بأن هزيمة "داعش" تحتاج إلى تدخل قوات عربية برية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبقوة: لماذا قوات عربية برية؟ ولماذا لا تكون قوات أميركية أو دولية؟ ولماذا لا تفعل أميركا ما فعلته في السابق من تدخلها في العراق وقبله أفغانستان؟ الجميع يعلم أن الأميركيين جاؤوا من قبل لمنطقتنا كغزاة تحت مزاعم واهية ظاهرها القضاء على الأسلحة النووية التي يمتلكها النظام العراقي السابق وباطنها المصالح التي لم يجنوا من ورائها غير الخسائر الفادحة في عتادهم ورجالهم وأموالهم وأتت على دولة العراق الشقيق، بل ومنطقتنا بالويلات والخراب والتمزيق. واليوم نراهم أكثر خوفا من محاولة تكرار هذا السيناريو مرة أخرى، لأنهم يدركون أن هذا التدخل البري سوف يذيقهم المزيد من الخسائر والهزائم، وبالأمس سمعنا تصريحا للرئيس الأميركي أوباما بأن تنظيم "داعش" الإرهابي يريد جرهم لحرب برية، وهو ما لا تريده أميركا والغرب. فقط هم يحاولون توريطنا نحن العرب وإدخالنا في معركة برية وسط هذا الجحيم المستعر في العراق والشام رغم علمهم المسبق والأكيد أن الحل الوحيد لإزالة جميع هذه الإشكالات يكمن في إزاحة النظام السوري. فلولا الصمت الأميركي الغربي على هذا النظام المجرم طوال السنوات الخمس الماضية والدعم المباشر والصريح من قبل بعض القوى الدولية والدولة الفارسية وما يتبعها من ميليشيات وأحزاب طائفية لما ظهرت مثل هذه التنظيمات المتطرفة ولما تحولت سورية إلى ساحة صراع واقتتال وتدخل من قبل العديد من الأطراف. توجب على أميركا والغرب إيجاد تعريف محدد للإرهاب وتصنيف دقيق وموضوعي للأطراف المتصارعة على الأرض في تلك المنطقة، وتحديد الإرهابيين سواء كانوا تنظيمات أو جماعات أو دولا. "داعش" تنظيم إرهابي بلا أدنى شك، عانت منه الدول العربية قبل الغربية، لكن ماذا عن الميليشيات الأخرى ونظام دمشق! علينا نحن العرب أن نتريث ونهدأ ونحاول لم الشمل وتوحيد الكلمة لمواجهة ما يحاك ضدنا ويرتب خلف الكواليس حتى نستطيع مواجهته ومجابهته، وعلينا عدم الانجرار وراء هذه الدعوات الغربية المريبة والمراد منها إقحامنا والزج بنا في أتون حرب لا يعلمها إلا الله، وإن كان يتوجب علينا مساعدة أشقائنا من أبناء الشعب السوري المظلوم فلا بد لنا أن نشكل تحالفا عربيا قويا للضغط على أميركا والغرب وحثهم على اقتلاع سبب البلاء والشر بالمنطقة، ذلك النظام المجرم الذي لولاه لما صارت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، فإن كان هناك بد من التدخل البري سواء عربيا أم غربيا أم مشتركا، فالأولى أن يتوجه إلى دمشق أولا لإزاحة هذا النظام وتمكين المعارضة المعتدلة من تحقيق تطلعات وطموحات الشعب السوري وبناء سورية جديدة لا مكان فيها للظلم والقمع والقهر والقتل، وتلك التنظيمات المتطرفة التي تتغذى من ثدي النظام المجرم في دمشق ستضعف بل وتزول فور إزاحته عن المشهد .