شهد هذا الأسبوع ارتفاعاً في حركة تداول السلع، عدا الطاقة، لأسباب عديدة من أبرزها الدفعة الإيجابية الناجمة عن تراجع قيمة الدولار. وفي حين شكل اجتماع أوبك في فيينا خلفية مشحونة بالتوتر ضمن قطاع النفط، فإن متداولي الذهب واصلوا التركيز على التأثير السلبي المتوقع أن ينجم عن رفع أسعار الفائدة الأمريكية خلال ديسمبر، وهو ما غدا احتمال حدوثه شبه مؤكد. وقد أدى امتناع المصرف المركزي الأوروبي عن تقديم الإجراءات التسهيلية المطلوبة إلى اتخاذ الأسواق لقاعدة خاطئة، الأمر الذي أثر بشكل جدي على المتداولين والمستثمرين الذين بنوا أداءهم على هذا الأساس. وتخلى المستثمرون عن السندات والأسهم، في حين سجل اليورو أعلى قفزة له منذ عام 2009 مع انخفاض المراهنات السلبية الممتدة لفترة أطول من اللازم. كما ساعد تراجع قيمة الدولار على توفير دفعة للسلع بعد أسبوع قاس لامس فيه نفط برنت قاعاً عن 6 سنوات ونصف كنتيجة للفائض في المخزون ولعدم اتخاذ أوبك أي إجراء حيال هذا الأمر، بينما وصل الذهب إلى قاع عن 5 سنوات ونصف على خلفية المخاوف المتعلقة برفع أسعار الفائدة الأمريكية. وارتفعت المعادن الصناعية للأسبوع الثاني كنتيجة غير مباشرة لانخفاض الدولار، مدعومة بالأخبار التي تفيد بأن المنتجين الصينيين مستعدون لخفض إنتاجهم. أداء السلع لقد كان أداء الحبوب والسلع الخفيفة قوياً خلال الأسبوع رغم الهبوط الذي سجلته في نوفمبر/تشرين الثاني سلة أسعار الأغذية العالمية لمنظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والذي أدى إلى التراجع عن نصف الارتفاع الذي كان قد تم تسجيله الشهر السابق. وتم أيضاً تسجيل ارتفاع في الذرة وفول الصويا بالتوازي مع انخفاض الدولار، مما أدى إلى تعزيز جاذبية محاصيل الولايات المتحدة في سوق الصادرات العالمية. ولا يزال السكر واحداً من الخيارات الأكثر شعبية للرهانات طويلة الأمد في أوساط المضاربين، والذين لم يشعروا هذا الأسبوع بأي نوع من القلق بحكم حفاظ السعر على آخر الأرباح إثر التوقعات المتعلقة بانخفاض الإنتاج في البرازيل. وشهد الأسبوع الذي صادف تاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني قيام مديري الأموال برفع رهاناتهم الإيجابية بنسبة 17% لتصل إلى 176,000 حصة إيجابية، وهو الرقم الأعلى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2013. الذهب والدولار أما الذهب فقد عانى كثيراً على مدى الأسابيع الست الماضية مع قيام اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بالتمهيد لرفع الفائدة يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهو ما ساهم في ارتفاع الدولار خلال الآونة الأخيرة، والذي وصل إلى نهايته هذا الأسبوع مع امتناع مدير المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي عن تقديم حوافز إضافية. وقد شكلت حركة البيع القوية للدولار ذريعة ممتازة لمديري الأموال الذين يبيعون كي ينسحبوا. وأكدت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جانيت يلين يوم الأربعاء الماضي خبر رفع أسعار الفائدة في ديسمبر/كانون الأول، مشيرة إلى أن ما شهده سوق العمل من تحسن منذ أكتوبر/تشرين الأول قد ساهم في تعزيز توقعات التضخم، وأن عدم التصرف الآن قد يفضي دون قصد إلى ركود مستقبلي بما أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يجد نفسه مضطرا لفرض مزيد من التشديدات المتسارعة لاحقا من أجل تجنب إصابة أهدافه بسرعة أكبر من اللازم. وساعدت تصريحات يلين على حدوث انخفاض في المعادن الثمينة، غير أن الذهب استعاد عافيته قبل نهاية الأسبوع بعد أن سجل أدنى مستوياته منذ فبراير/شباط 2010. كما أن تسييل المواقع الطويلة في الدولار وتحديد القيمة الكاملة لرفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد ساعد على اجتذاب تغطية قصيرة من طرف مديري الأموال الذين يبيعون أكثر من أي وقت مضى السلع الآجلة. وقد يواجه الذهب حواجز عديدة من المقاومة التي ستعيق عودته إلى المقاومة الرئيسية عند 1100 دولار، لكن ثمة درسا تعلمناه مجددا الأسبوع الماضي وهو أن خطر حدوث انعكاس حاد يكون ماثلاً دوماً حينما يكون هناك اكتظاظ في التداول وباتجاه واحد. هبوط برنت وقد هبط خام برنت إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية في عام 2009، وذلك بالتوازي مع ارتفاع المخزونات النفطية في الولايات المتحدة رغم رفع معدل عمليات التكرير، مما ينبئ بمواصلة ازدياد المخزون للأسبوع العاشر على التوالي. ومع هذا الارتفاع المعاكس للتوجه الموسمي وصل المخزون الأمريكي إلى ما يفوق المعدل الوسطي الخمسي بنحو 123 مليون برميل، مما أدى لتجدد النقاشات المتعلقة بتقليص قدرة التخزين بما يتناسب مع الفائض الحالي في المعروض. ويمكن رؤية أحد المؤشرات التي تنبئ بزيادة الطلب على المنهجيات البديلة في التخزين من خلال مراقبة أسعار استئجار الناقلات العملاقة، إذ يبدو أننا من جديد أمام حالة إقبال على التخزين في الناقلات، والذي كان من أهم المواضيع مطلع عام 2009. ورغم أن الظروف الاقتصادية الحالية لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال مواتية كما كانت في تلك الفترة، غير أن تكلفة استئجار الناقلات العملاقة وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 2008. وأفضى لقاء أوبك المنتظر بفارغ الصبر إلى اتخاذ المنظمة قراراً برفع أهدافها الإنتاجية لتبرر مستويات إنتاجها الحالية التي تفوق أهدافها المحددة. وكان لهذا الخبر وقع سلبي على السوق، غير أنه امتص آثار حركة البيع الأولية انطلاقاً من الإدراك العام بأن المواقع التخمينية القصيرة تقف سلفا عند مستويات تاريخية. ويمكن بوضوح الاستنتاج أن أوبك تعني ما تقوله، إذ لا يمكن خفض الإنتاج إلا بالتعاون مع المنتجين من الدول غير الأعضاء في المنظمة. وبعد أن أكدت روسيا أن خفض الإنتاج ليس خياراً وارداً في هذه المرحلة، فإن بقعة الضوء تنتقل تلقائيا إلى المنتجين ذوي التكاليف المرتفعة في الولايات المتحدة والذين لم يبدوا جهدا جديا لخفض الإنتاج. تراجع الإيرادات وقد سجلت الدول ال12 الأعضاء في أوبك هذا العام تراجعاً كبيراً في الإيرادات قياسا بالأعوام الأربعة الماضية التي كان سعر البرميل فيها لا يقل عن 100 دولار. ومن المتوقع أن تصل قيمة الإيرادات إلى 500 مليار دولار خلال عام 2016، في حين تم تسجيل رقم قياسي عند 1200 مليار دولار في عام 2012 الذي اتسم بالمخاوف حيال تعثر الإمداد كنتيجة للظروف الجيوسياسية والبدء بتطبيق العقوبات على إيران، مما أدى لارتفاع الأسعار طوال السنة. والآن مع اقتراب موعد رفع العقوبات عن إيران، وما سينجم عنه من ارتفاع في الصادرات إلى السوق التي تعاني أصلاً من فائض في المعروض، فإننا نتوقع أن تكون الأشهر القليلة المقبلة حافلة بالتحديات، وهو تطور فشلت أوبك في التعامل معه بالشكل الصحيح عبر تصريحها الذي أعقب اللقاء. وقد أغلق خام برنت هذا الأسبوع عند قاع عن سنوات عديدة، مع استبعاد احتمال استمرار صفقات البيع لفترات طويلة نظراً للأسس السلبية القائمة حالياً. ورغم المنظور السلبي السائد على المشهد حالياً، إلا أن النفط الخام نجح في الاستقرار ضمن نطاق محدد، لكن السوق تعاني من بيئة أسعار سلبية نظرا للإنتاج الغزير من قبل الدول غير الأعضاء في أوبك مثل روسيا، إلى جانب الزخم الإنتاجي في الولايات المتحدة ومواصلة أوبك الإنتاج بمستويات تفوق أهدافها. وكنتيجة لذلك يواصل مديرو الأموال زيادة رهاناتهم السلبية على النفط، حيث وصلوا الأسبوع الماضي إلى رقم قياسي جديد، لذا نرى أننا الآن أمام احتمال متزايد لحدوث حركات حادة وخاطفة تشابه ما شهدناه في أغسطس/آب عندما ارتفع سعر النفط بمقدار 25% في 3 أيام فقط.