كلما حلت الأمطار وابتهجت النفوس برائحة زخاته الباردة تعلو الابتسامات وتصفو النظرات فرحاً بهذه المنحة الربانية البهيَّة. بيد أننا مع ذلك اعتدنا أن يكون للمطر معنا حكاية خصوصاً عندما يقسو المطر علينا عبر زمهرير جريانه أن نتساءل ونتكاشف عن مشاريعنا وبنيتنا التحتية التي سرعان ما تتهاوى أمام امتحانه الأول. عند ذاك تتسارع الأسئلة وعلامات التعجب التي تصل إلى الإحباط في سبب ذلك التهاوي السريع للمشاريع والضعف المكشوف للأعمال سواء كانت في الطرق أو المطارات أو مشاريع المياه والتصريف. بل حتى مشاريع الإسكان التي سوف تخوض تجربة صعبة حين يتسلم المواطنون بواكير تلك الأعمال من الوحدات السكنية وغيرها. حاولت في هذا المقال أن أطرح التساؤل خصوصاً وأن الجميع يشاهد تلك المشاريع في مطلعها تسند ابتداء إلى مقاولين ذوي كفاءة عالية بل شركات عملاقة في غالبيتها سواء كانت الترسية عبر منافسة أو مباشرة من الجهات العليا. فالقصة إذن في هذا الخلل الموجود في تلك المشاريع وآلية الإسناد وطرق الاستحقاق وشروطه. وحيث سبق أن صدر توجيه المقام السامي بمنع ترسية المشاريع الحكومية على شركات محددة أو طرحها في منافسات محددة إلا أن الأمر لازال حسب المراقبين لم يتم تفعيله وتطبيقه. ولا شك أن الجهات والوزارات الحكومية تشهد في الفترة الحالية طفرة في المشاريع مما لوحظ عليه كثرة الطلب من تلك الجهات بالاستثناء من أحكام نظام المنافسات والمشتريات الحكومية وطلب ترسية مشاريعها على شركات معينة وهو ما يؤدي بالتالي إلى ظهور عقود الباطن التي تقوم تلك الشركات الكبرى بتحويلها إليها. حتى تؤول تلك العقود الكبرى إلى مقاولين مبتدئين لا يملكون الكفاءة العالية. ومن حق المواطن الذي يشعر بالخلل اليوم في تنفيذ المشاريع الوطنية نتيجة تلك الآلية أن يطالب بإصلاح هذا الإجراء. بل إن بعض الإحصاءات تشير إلى أن حجم الهدر المالي الذي يحدث في المشاريع الحكومية يصل إلى نحو 60 مليار ريال سنوياً والسبب واضح وهي عقود الباطن ومقاوليها، وكذلك سوء التنفيذ والإشراف من قبل المكاتب الهندسية. كما أن قلة الشركات المتميزة في قطاع المقاولات وعدم التشجيع الحكومي الواضح بهذا القطاع أدى إلى تراجع كبير بل إلى انحسار هذا القطاع في أسماء محددة فقط. وليس سراً اليوم أن 97 % من المشاريع الحكومية متعثرة بل إن هناك ما يزيد على 3000 مشروع متعثر بسبب ضعف المقاول الذي قدمه إلى المشروع عقد الباطن. ومن المعلوم في آلية العقود أن ترسية المشاريع تتم بناء على ثلاثة ضوابط أهمها أن يكون المقاول مصنفاً في الدرجة المطلوبة للمشروع وكذلك يتلاءم مع مبلغ العقد إضافة إلى شهادة التصنيف اللازمة وثانيها الالتزام بالمواصفات الواردة من الجهة الهندسية وثالثها وهو إشكال مهم وهو الأقل سعراً وهذا في نظري مسمار النعش الأخير لكل مشروع فبدلاً من أن تقوم الدولة بالبحث عن معيار الجودة ابتداءً أصبح معيار الأقل سعراً هو المقدم مما أدى إلى رداءة وسوء المشاريع بشكل ملفت وواضح. كما أنني أعتقد أن الحل يكمن في أمرين الأول تشجيع قطاع المقاولات ووضع شركات مقاولات كبرى وكذلك التفكير في إنشاء شركات مساهمة تمول الدولة جزءاً منها في قطاع المقاولات. إضافة إلى العمل على دعم قطاع المقاولات من لدن البنوك وتقديم التمويل الأولى اللازم للمقاول في بداية عمل مشروعه. ومن الحلول المتلازمة مع ما ذكرت نظراً لكثرة المشاريع وتنوعها وضخامة بعضها وحاجتها إلى عمالة فنية مدربة متميزة وهو ما لا يتوفر اليوم في غالب شركات المقاولات. فإني أرى أهمية الاستعانة بالشركات الأجنبية وقطاع المقاولات العالمي والمملكة لها تجربة مهمة في بداية التنمية في التسعينات الهجرية حيث قدمت شركات كورية وقامت بإنجاز المشاريع وفق جودة عالية وبمدد زمنية قليلة وهو ما نحتاجه اليوم.