سائح بريطاني كان قد لقي إشادة في أستراليا ووصف بأنه بطل بعدما صارع قرشًا طوله متران ليبعده عن أطفال بشاطئ مزدحم في (كوينزلاند) وذلك في آخر يوم من إجازته، ونتيجة لإرهاقه من مخاطرته أدخلوه المستشفى للعلاج لمدة أسبوع، وحيث إنه تغيب هذه المدة من عمله فصلته شركته. وقال (مارشالسي) – وهذا هو اسمه -: لو لم أنقذ الأطفال على الشاطئ في ذلك اليوم، لاحتفظت بعملي. انتهى. بيني وبينكم يستاهل، فما أقدم عليه يعتبر أنه (حشر أنفه فيما لا يخصه)، فللأطفال رب يحميهم، وفي النهاية لم ينله غير خسارته لعمله. والواقع أنني اقتنعت بهذا المبدأ القائل (ابعد عن الشر وغنيله). والذي رسخ في كياني ووجداني وعقلياتي هذا المبدأ الذي يبدو وكأنه أناني وانهزامي، هي تجربة خضتها منذ الصغر، وأكلت فيها على رأسي. وإذا أردتم أن أرويها لكي تكون عبرة، فليس لديّ أي مانع، لتعرفوا كم أنا مبتلى. فحصل في يوم من الأيام عندما كنت في المرحلة المتوسطة من دراستي، وكنا مجموعة من التلاميذ في المدرسة الداخلية، نذاكر ونحل واجباتنا المفروضة علينا عصرًا، ولاحظت أن الغالبية كانوا (طفشانين) ومتذمرين من هذا الأسلوب التعسفي الذي فرضه المشرفون علينا في المدرسة، ونظرًا لما حباني الله به من الإقناع واللعب بعقول الآخرين، فقد زينت لهم أن نطوي الأوراق ونغلق الدفاتر والكتب ونضع الأقلام جانبًا، ونذهب للعب بالكرة حتى ولو لنصف ساعة ثم نعود وقد ازددنا نشاطًا، ومن سوء حظي أن الجميع استجابوا لاقتراحي، وهذا هو ما كان. وعندما دخل المشرف إلى غرفة المذاكرة لم يجد هناك ولا حتى (نفاخ النار)، وسأل المستخدم عنا، وأشار له قائلاً: إنهم هناك يلعبون. وأتى لنا وهو (يرغى ويزبد) عن هذا التصرف الذي أقدمنا عليه، فخاف زملائي الجبناء الأنذال وقالوا له وهم يشيرون لي: إن هذا هو الذي اقترح علينا ذلك. فما كان من المشرف إلاّ أن يرفع للإدارة تقريرًا ضدي يشبه وجهه الكالح، وأصدر المدير قرارًا بسجني يومًا كاملاً بغرفة انفرادية (جزاءً لي وردعًا لأمثالي) – على حد تعبيره. وفي اليوم التالي بعد أن أطلق سراحي، وعندما كنا في الطابور الصباحي، تكلم المدير بالميكرفون بكرشه المنفوخ أمامنا شارحًا ملابسات الحادثة، ثم استدعاني لأقدم اعتذاري أمام الجميع. فوقفت أمامهم قائلاً بصوتي المصرصع جملة واحدة: (خير تعمل شر تلقى). واستشاط المدير غضبًا، وما كان منه إلاّ أن يأمر بسجني انفراديًا يومًا آخر. عمومًا تستطيعون أن تعتبروني منذ الآن (خريج سجون)، ورحم الله زميلي بالكفاح (نيلسون مانديلا).