تحت رعاية وحضور سيادة الرئيس عبد الفتّاح السيسي، رئيس جمهوريّة مصر العربيّة، رئيس القمّة العربيّة في دورتها السادسة والعشرين، وبمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس جامعة الدول العربيّة، افتتحت مؤسّسة الفكر العربي بالشراكة مع الأمانة العامّة للجامعة، أعمال مؤتمرها السنوي "فكر" في دورته الرابعة عشرة تحت عنوان: "التكامل العربي: تحدّيات وآفاق"، وذلك في فندق "الماسه" في مدينة نصر في القاهرة، بحضور أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسّسة الفكر العربي، أمين عام منظّمة التعاون الإسلامي الدكتور إياد بن أمين مدني، صاحب السموّ الملكي الأمير تركي الفيصل، صاحب السموّ الملكي الأمير بندر بن خالد الفيصل، صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن خالد الفيصل، صاحب السموّ الملكي الأمير خالد سعود الفيصل، معالي المستشار عدلي منصور، رئيس الورزاء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي السابق الشيخ محمد صباح السالم الصباح، النائب السيدة بهيّة الحريري، معالي الوزير هلال الشربيني، معالي الوزير حلمي النمنم، أمين عام جامعة الدول العربية السابق الأستاذ عمرو موسى، السفراء المعتمدون لدى جمهورية مصر العربية وجامعة الدول العربية، أعضاء مجلس أمناء مؤسّسة الفكر العربي، وأعضاء مجلس الإدارة والهيئة العامّة، وشخصيات رسمية ودبلوماسية وفكرية وإعلامية. بعد السلام الوطني لجمهوريّة مصر العربيّة، ألقى المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربي الدكتور هنري العَويط كلمة ترحيبيّة، شكر فيها جمهورية مصر العربية على استضافتها ورعايتها، كما عبّر عن الاعتزاز بالشراكةِ الرائدةِ و المميَّزة مع الأمانةِ العامّة لجامعة الدول العربيّة، و التي جسّدها تعاوننا الوثيق. وتوجه إلى صاحب السموّ، شاكراً إياه، مع أنّه ليس مألوفاً أن يشكرَ أهلُ البيتِ ربَّ البيت. وقال: لا يتّسعُ المجالُ هنا للحديثِ عن خِصالِهِ و شمائلِهِ ومواهبِهِ و مزاياه وإنجازاتِه. حسبيَ أن أنوّه بأنّ سموَّه يقف اليوم في طليعةِ المسؤولين العرب الأكثر تنبّهاً لجسامةِ المخاطر التي تتهدّد وحدةَ أوطاننا ومجتمعاتنا، والأعمق وعياً لحجم التحديّات التي تواجهها، والأشدّ إلحاحاً في الحثِّ على التعاون والتعاضد والتكامل. وأكد العَويط أن أبناءَ الشعبِ المصريّ العزيز، بعد أن عانَوا ما عانَوه، يقدّرون عالياً ونقدّر معهم تصميمَ سيادَةِ الرئيس السيسي على استتبابِ الأمن، ومكافحةِ التطرّفِ والإرهاب، ومحاربةِ الفساد، ويؤيدونَ برامجَه الإصلاحيّة، وحِرصَه على ترسيخِ الوَحدةِ الوطنيّة، وسَعيَه الدؤوب إلى تعزيزِ الهويّةِ الجامعة، الحاضنةِ للتعدّد والمغتنيةِ به. وهم يواكبون بالكثيرِ من الثقةِ والرجاء مشاريعَه الانمائيّةَ العملاقةَ والطَموح، وفي مقدِمها الخطّةُ الاستراتيجيّةُ البعيدةُ المدى "رؤية مصر 2030"، لبناءِ نهضتها العمرانيّة، وتحريكِ عجلةِ اقتصادِها، وجذبِ الاستثمارات، واستحداثِ المزيدِ من فُرَصِ العمل، وتحقيقِ المساواة، وضمانِ التنميةِ المستدامَة. وقال: ما دمنا قد اجتمعنا في هذه العشيّة للاحتفال بافتتاحِ مؤتمرِ "التكامل العربيّ"، فلنحيّي معاً مبادرَتَه الخلّاقة لتوسعةِ قناةِ السويس، كنموذجٍ رائد للتكامل الناجح والمثمر بين الإرادةِ السياسيّةِ لدى صانعِ القرار، والاستجابةِ الشعبيّةِ غير المسبوقة للاكتتابِ في تمويل هذا المشروع. ثم توجّه العَويط الى الرئيس المصري قائلاً: عندما نادتكمُ مِصرُ للمهمّة الانقاذيّة، لم تتردّدوا في تلبيةِ النداء. واليوم، شعبُ مِصرَ الطيّبُ والأبيّ، ينتظرُ منكم الكثير، وهو يعرف حقَّ المعرفة أنّكم لن تبخَلوا لا بالعطاء ولا بالإنجازات. وإنّ شعوبَ العالم العربيّ، من مشرقِه إلى مغربه، تعلّقُ على مِصرَ وعلى قائدِ مسيرتها، آمالاً عريضة، وهي تدعوه لكي يستعيدَ لمِصرَ دورَها الطليعيّ في لمّ الشمل، وتوحيدِ الصفوف، وتحقيقِ التكامل. وإنّنا لعلَى يقينٍ تامّ بأنّكم لن تخيبّوا آمالَها. ثمّ ألقى صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل كلمة، قدّم فيها الشكر الكبير لدولة مصر رئيساً وحكومةً وشعباً لاحتضانها مؤتمر "فكر" في دورته الرابعة عشرة، كما توجّه بالشكر إلى جامعة الدول العربية أميناً ومسؤولين على مشاركتهم المؤسّسة هذه المبادرة الفريدة من نوعها، وأشاد بجهود كل من أسهم بفكره وجهده في الإعداد والتنظيم لهذه التظاهرة الفكرية. وتوجّه صاحب السموّ إلى الرئيس السيسي قائلاً: أيها الرئيس الموفّق ترعى اليوم الفكر بالإبداع يتفتّق، والعقل بالحكمة يتدفّق، في حدث غير مسبوق، وأسلوب غير مطروق، امتزجت فيه السياسة بالثقافة، والرأي بالحصافة، واتّكأت فيه التمنيات على الدراسات، واحتضنت فيه القيادات المؤسّسات، في مشروع عربيّ الهوية، تحت مظلّة الجامعة العربية، في ذكراها السبعين. أضاف: عالم مضطرب، ومنطقة تلتهب، وعرب تحترب، وهمّش العقل نفسه، وفقد الضمير حسّه، وتلاوم القادرون، فاستفرس الجاهلون، حاولنا الوحدة فانقسمنا، واستوردنا السلاح فاقتتلنا، واجتمعنا للتفاهم فاختلفنا. وقال: انظروا إلى الحال كيف أصبح، وإلى الوضع كيف يجرح، نتأثر ولا نؤثّر، ننظر ولا نرى، نستهلك ولا نصنع، ونُلدَغ من كل جحرٍ مرّتين، والأخ يقتل أخاه لا يدري لماذا، ولا يجد المواطن في الوطن ملاذا، تقاذفتنا المهاجر، وتباكت لنا المحاجر، وضحك العدو ساخر. وسأل سموّه: آما آن لنا أن نستيقظ من الغفوة، ونهبّ وننهض من الكبوة، بلى والله، لقد دعا الزمان، واستصرخ المكان، ونحن بعون الله قادرون، وعن استعادة المجد مسؤولون، فلنشمّر عن السواعد، ونعدّ الشباب الواعد، ونسلّحه بالعلم والمعرفة، والجودة والإتقان والتقنية، ولننبذ المكابرة، ونبدأ المشاورة، فما للعرب إلّا العرب، وهاكم التكامل مشروعاً، بالفكر مطبوعاً، من مؤسّسة أهليّة، لا حزبية فيها ولا تبعيّة، حرّة الرأي، عربية، والسلام. ثم تحدّث الرئيس عبد الفتاح السيسي فقال: يُسعدني أن أتحدّث اليوم إلى لفيف من الأشّقاء الأعزّاء والأصدقاء الأوفياء في مؤتمر "فكر 14"، الذي يتزامن انعقاده مع الذكرى السبعين لإنشاء جامعة الدول العربيّة، والذي تحتضنه العاصمة المصريّة، وذلك إيماناً بأهميّة تحقيق التكامل العربي وتعزيز العمل العربي المُشترك، وصولاً إلى غايات الشعوب العربيّة، وإلى تعاون اقتصادي قوامه السوق العربيّة المشتركة وتعاون عسكري وأمني تدعمه القوة العربيّة المشتركة، وترابط ثقافي وحضاري يقي الأمّة العربيّة ويلات الفكر المتطرّف ومخاطر الإرهاب، ويرتقي بالذوق العامّ فينسج لحظة ثقافيّة تُغلفّه في إطار حضاري راقٍ ومتميز. وأكّد الرئيس السيسي أن التحدّيات التي يمرّ بها الوطن العربي لم تعد تقتصر على كونها مجرّد مشكلات، وإنّما باتت تُشكلّ تهديداً وجوديّاً مباشراً لكيانات تلك الدول ومُقدّرات شعوبها، ممّا يتطلّب ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطني، وتفعيل النظام الإقليمي العربي، كإطار منظّم للإتفاقات العربيّة على الأصعدة كافّة. وأشار إلى أنّ تحقيق ما تقدّم لا يعتمد فقط على مدى توافر الموارد الطبيعيّة والبشريّة والماليّة، وإنّما يرتكز على زيادة تعزيز العمل الجماعي وبلورة الرؤى المُشتركة باعتبارهما قوّة دافعة لا بُدّ منها، تُسهم في تحقيق العيش الكريم. كما أكدّ على أهميّة الحريّة الواعية المسؤولة التي تبني ولا تهدم، والعدالة الاجتماعية التي تكفل تحقيق التوافق المجتمعي والسلم الأهلي، لافتاً إلى أنّنا بحاجة قصوى لتطوير القطاع الصناعي وبناء الأساس الموضوعي للتكامل الاقتصادي وتوفير التبادل ما بين الدول العربيّة. وشدّد الرئيس السيسي على أهميّة ربط استراتيجيّة التنمية الصناعيّة بالسياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة في العالم العربي، كي تسهم في تحسين مستوى معيشة المواطن العربي لتؤتي ثمارها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وتُخفف من الاعتماد على الاستيراد، وتُصحّح الخلل في الموازين التجاريّة، وتوفرّ رصيداً من العملات الصعبة. ورأى أنّ المطلوب توفير التمويل الضروري لهذا التطوير الصناعي، إلى جانب التعاون الثنائي والمُتعدّد الأطراف بين الدول العربيّة، وكذلك تعزيز العلاقات الاقتصاديّة العربيّة، وتطبيق منظومات فاعلة في مكافحة الفساد، وهنا دور البرلمان الرقابي وأهميّة تعزيز الشفافيّة. ودعا الرئيس المصري إلى تعزيز الاستثمار العربي المُشترك والاستفادة من الموارد البشريّة والطبيعيّة، وتوظيف إنتاجها للنهوض بقطاعات اقتصاديّة أخرى مثل الزراعة، لتحقيق نهوض قتصادي شامل، وتطوير منظومة التعليم والتدريب والتطوير العلمي والبحثي والتقني. واعتبر أنّ الوصول إلى التكامل الاقتصادي العربي يرتبط بأهميّة تحقيق الاستقرار السياسي والتكامل الأمني، وذلك لا يعني تنازلاً عن السيادة الوطنيّة، وإنّما إعلاء المصلحة القوميّة الجماعيّة في وقت تتداعى فيه الأخطار والتهديدات على دول شعوبنا العربيّة. وشدّد على الحاجة إلى تحديد مصادر التهديد وطنيّاً وقوميّاً، وكيفيّة مواجهة التحدّيات، مؤكدّاً ضرورة إنشاء القوّة العربيّة المشتركة كأداة مُهمّة للدفاع عن المنطقة العربيّة، لافتاً إلى أن مصر والمملكة العربيّة السعوديّة اتخذتا خطوات جادّة في هذا المجال تتعلّق بمجلس التنسيق المشترك ما بين البلدين وتعزيز العلاقات الأخويّة بين الشعبين. وقال الرئيس السيسي إنّ صعود الجماعات الراديكاليّة والمتطرّفة والإرهابيّة أدّت إلى نشر ثقافة العنف الديني والفكر التكفيري، بما يُهدّد الوحدة الوطنيّة ويفرض قيوداً على حريّة الرأي والتعبير والإبداع، وينعكس سلباً على المفكرين والمثقفين العرب، ويوفرّ بيئةً لظهور مشاريع دينيّة ومذهبيّة، واختلاق صراعات مُفتعلة تسعى إلى تغيير الدولة الوطنيّة. داعياً إلى التركيز على اللّغة العربيّة الجامعة والتراث العربي المشترك وتعزيز الإسهام الفكري الذي يُثري واقع الثقافة في عالمنا العربي، وتفعيل دور جامعة الدول العربيّة ومنظمة الألكسو، وتطوير علاقات ثقافيّة مع الدول المتقاربة ثقافيّاً، وذلك من خلال المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة، دعماً لمشروع التكامل المأمول والازدهار الثقافي والاقتصادي في المنطقة. كما دعا إلى إيلاء التعليم والثقافة والفنون ما تستحقّه لإحداث نقلة نوعيّة في الفكر والعقل العربي، وكذلك إلى تحديث المناهج التربويّة حيث تؤسّس لعقد اجتماعي جديد يُعلي من قيم التنّوع والاختلاف واحترام الفكر الآخر. وأشاد بجهود الدول العربيّة في حماية التراث الأثري العريق الذي يتعرّض للتدمير والنهب، وخصوصاً في الدول التي تشهد صراعات داخليّة، لافتاً إلى أنّ المنظّمات الدوليّة وفي مقدمها اليونيسكو مدعّوة إلى الاهتمام بهذا التراث. ورأى أنّ تحقيق التقدّم والتكامل العربي المنشود يقتضي الكيان الجامع لهذا العمل المشترك وهو جامعة الدول العربيّة، المطلوب إصلاحها على المستوى الشعبي والمجتمعي وحشد الطاقات، إضافةً إلى بلورة رؤى عربيّة مشتركة. وفي الختام شكر الرئيس السيسي مؤسّسة الفكر العربي ورئيسها صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، ومديرها العامّ والأمين العام لجامعة الدول العربي وكلّ من أسهم في إنجاح أعمال المؤتمر. وقال إنّ مصر وشعبها ستظلّ قلوبهم مفتوحة لكم وأيادينا ممدودة لكم بكلّ خير، ننشد معكم التقدّم والرخاء ونسعى من أجل تحقيق النموّ والازدهار لشعوبنا، ونُثمّن قيمة الفكر كهبة ميّز بها الله الإنسان وحملّه مسؤوليّة البناء وعمارة الأرض. دعونا نعمل معاً من أجل أن نصون أوطاننا ونحافظ على مقدّرات شعوبنا، ندافع ولا نعتدي، نبني ولا نهدم ونؤمن بالتعدديّة، ونسعى إلى مزيد من العمل والإنتاج في مجالات الحياة كافة. بعد ذلك، قدّم صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل درع مؤسّسة الفكر العربي إلى الرئيس السيسي تقديراً وعرفاناً. ثم جرى عرض فيلم وثائقي عن المؤسّسة ومشروعاتها وبرامجها الثقافية والفكرية، وعن مؤتمراتها السنوية، وعن أبرز إنجازات مركز البحوث والدراسات فيها.