صدور قرار مجلس الوزراء فرض رسوم مالية على الأراضي البيضاء، كان باعثا على التفاؤل في نفوس كثير من المنتظرين بلهفة إعلان ذلك القرار على أمل أن يكون له أثر في خفض أسعار الأراضي، فيتمكنون من امتلاك أرض يقيمون عليها بيتهم المرتقب. لكن هذا القرار في حد ذاته، لن يكون له تأثير في خفض سعر الأراضي ما لم تصحبه لائحة تفصيلية محكمة تضع النقاط على كثير من الحروف المهملة حاليا. وأذكر أني قبل شهر أو أكثر قرأت منشورا في بعض الصحف المحلية لائحة مقترحة، تنظم كيفية عمل رسوم الأراضي، وبدت لي اللائحة آنذاك محكمة غاية الإحكام، ومنصفة في معظم بنودها. فمن أجل ضبط سوق الأراضي وعدم حدوث التلاعب فيها، حصرت تجارة الأراضي في بورصة خاصة بها وألزمت مالك الأرض بتسجيل أرضه فيها، وتحديد السعر الذي يراه مناسبا لها. كما تركت اللائحة لمالك الأرض حرية تقدير القيمة المناسبة لأرضه، وله أن يرفع سعرها كما يشاء، فهو في نهاية المطاف، الذي سيقع على عاتقه حمل عبء الزيادة في السعر لارتباط رسوم الأرض بقيمتها، (وفي هذه اللائحة حددت رسوم الأرض بخمسة في المائة من قيمة الأرض). ومتى سجل مالك الأرض سعر أرضه في البورصة، فإنه ليس له تغييره بعد ذلك مهما طال بقاء الأرض في ملكه. وترك حرية تقييم سعر الأرض للمالك نفسه، ليس من أجل التقليل من مشكلة البيروقراطية وتوفير الوقت فحسب، وإنما أيضا لحل إشكالية الاختلاف حول تحديد المعايير التي تحكم سعر الأرض. وفي حال أن الأرض مملوكة بنية البناء والسكنى وكانت مساحتها صغيرة لا تزيد على ثلاثة آلاف متر مربع، فإن لمالكها أن يحتفظ بها ما شاء إلى أن يتمكن من بنائها، بدون دفع رسوم عليها، لكن إن غير رأيه فيما بعد وبدا له بيعها، فإنه ملزم ببيعها بالسعر الذي سجلها به في البورصة في بداية امتلاكه لها، وليس له أن يزيد السعر مهما مر عليها من الزمن، كما يلزمه أيضا تسديد الرسوم المفروضة على الأرض التي لم يدفعها خلال السنوات الماضية. أما أفضل ما في اللائحة، فهو أنها تخلص المجتمع نهائيا من أن تكون الأراضي البيضاء عروضا للتجارة، فبنودها قائمة على حصر مالك الأرض في ثلاثة خيارات: إما أن يبني ويسكن، أو يبني ويستثمر، أو يبيع، وليس له مطلقا خزنها وتجميدها تطلعا إلى ارتفاع سعرها.