في ما يبدو أنه بداية «معركة ثبات وصمود» بين الدول المنتجة للنفط؛ بسبب فقدان الثقة بين الدول الأعضاء في «أوبك» وغير الأعضاء، تزايدت التوقعات التي تدعم تراجع برميل النفط لمستويات الـ30 دولارًا خلال الربع الأول من العام المقبل؛ نتيجة الاجتماع الأخير لمنظمة الدول المصدرة للبترول والذي انتهى يوم الجمعة، بعدم إعلان الاتفاق على سقف جديد للحصص الإنتاجية، مما يسمح للأعضاء بمواصلة ضخ الخام فوق مستوى 31 مليون برميل يوميًا في السوق المتخمة بالأساس. ولم تحدد المنظمة سقفًا للإنتاج، وقالت إن السقف الحالي «هو ما نستطيع أن نحافظ عليه في الوقت الحالي»، ورغم أن السقف الحالي المحدد يبلغ 30 مليون برميل يوميًا، فإن الإنتاج الفعلي يؤكد ارتفاعه عن مستوى 31.5 مليون برميل يوميًا، بينما لم يتضمن البيان الختامي أي أرقام رسمية، وهو ما يفتح الباب للتكهنات والمزايدات من الدول الأعضاء وغير الأعضاء. والاستهلاك العالمي حاليًا يقل بما يصل إلى مليوني برميل يوميًا عن الإنتاج الحالي. وتوقع نائل الجوابري، المحلل الاقتصادي والمالي المتخصص في قطاع النفط والعملات، مواصلة الضغط على الأسعار بسبب وفرة المعروض في السوق، وفشل الاتفاق في تحديد حصص سوقية، متوقعًا وصول البرميل إلى 30 دولارًا خلال الربع الأول من العام المقبل. وقال الجوابري لـ«الشرق الأوسط» إن «موقف (أوبك) نابع من الثبات على الحصص السوقية لكل دولة، وعدم النظر إلى الأسعار السوقية». وسرعان ما أعلن بنك الاستثمار الأميركي «غولدمان ساكس»، أمس، أن أسعار النفط من المرجح أن تبقى «منخفضة لفترة طويلة» بعد فشل الاتفاق على سقف جديد للإنتاج، متوقعًا أن يرتفع الإنتاج قليلا في 2016 عن الإنتاج الحالي الذي قال إنه يبلغ 31.8 مليون برميل يوميًا. إلا أن الأعضاء قرروا مراقبة السوق جيدًا والتدخل في حال انهيار الأسعار، من خلال عقد اجتماع قبل يونيو (حزيران) المقبل، بحسب وزير الدولة النيجيري للبترول إيمانويل إيبي كاتشيكو، الذي أكد أن «أوبك» قد تعقد اجتماعًا آخر قبل يونيو إذا واصلت أسعار النفط الهبوط. وأنهت عقود خام القياس الدولي مزيج برنت لأقرب استحقاق جلسة تداول يوم الجمعة منخفضة 84 سنتًا، أي 1.92 في المائة، لتسجل عند التسوية 00.43 دولارًا للبرميل. وبرنت مرتفع حاليا بأقل من دولار واحد عن أدنى مستوى له في ست سنوات ونصف السنة، الذي بلغه في أغسطس (آب) الماضي. كما هبطت عقود الخام الأميركي 11.1 دولار أو 70.2 في المائة لتبلغ عند التسوية 97.39 دولار للبرميل. وتقول «أوبك» إنها تسعى لحماية حصتها في السوق، التي يهددها الإنتاج الروسي المتزايد (دولة غير عضو بالمنظمة) ودخول إيران ساحة التصدير بعد رفع العقوبات الدولية بداية العام المقبل، إلا أن تخمة المعروض في السوق جعلت من قرار المنظمة الحفاظ على حصصها يتعارض مع مساعيها لرفع أسعار النفط. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بسكوف يوم الجمعة: «يوجد تبادل معلومات (مع أوبك)، لكن حتى الآن لا نتحدث عن أي تنسيق لخطواتنا». وخلال الأسابيع الماضية، كون المستثمرون مراكز مدينة كبيرة، مراهنين على انخفاض أسعار النفط الخام، وهي المراكز التي شهدت بالفعل عمليات تغطية سريعة يوم الجمعة بعد تسريب أنباء عن إبقاء «أوبك» لسياستها؛ مما كبد الكثيرين منهم خسائر كبيرة في جلسة شهدت معاملات متقلبة شديدة. كامل عبد الله، الباحث بمركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية، أوضح أن: «(أوبك) كانت بين نارين.. إما أن تخفض الإنتاج للحفاظ على إيراداتها لدعم موازناتها، وفي هذه الحالة لن تأمن الإنتاج الإيراني والروسي. أو أن تصر على الحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية، وبالتالي سيترتب على ذلك انخفاض الأسعار»، متوقعًا تراجع الأسعار إلى ما دون 40 دولارًا. وأشار عبد الله إلى حالة عدم اليقين الراهنة تجاه الأحداث التي تشهدها سوريا والعراق وليبيا والحرب على «داعش»، والتي من المؤكد أنها ستؤثر بصورة أو بأخرى على الأسعار. ووفقًا لتصريحات الأمين العام لمنظمة أوبك، عبد الله البدري، فإن الاجتماع «رأى أن صورة السوق غير واضحة، لذلك قرر الوزراء ترك الأرقام إلى وقت لاحق»، وذلك في إشارة إلى الإنتاج الإيراني المتوقع، والذي قد يصل إلى مليون برميل يوميًا بحسب تصريحات إيرانية رسمية، مشيرًا إلى تصريحات وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه بأن طهران ستكون مستعدة لمناقشة إجراء فقط عندما تصل بلاده إلى مستويات الإنتاج الكامل حال رفع العقوبات الغربية. ويأتي ذلك، فضلا عن تأكيدات عراقية بزيادة الإنتاج، مقابل زيادة سعودية طفيفة في الإنتاج لتلبية طلبات عملاء جدد في الأسواق الآسيوية والأوروبية. ويأمل وزير النفط السعودي علي النعيمي أن يستوعب الطلب العالمي المتنامي القفزة المتوقعة في الإنتاج الإيراني العام المقبل. وقال وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي، بعد انتهاء اجتماع «أوبك»، إن المنظمة يجب ألا تتحمل وحدها عبء خفض إنتاج النفط، مؤكدًا أنه «يجب أن نسيطر جميعًا على السوق.. إنه ليس واجبًا فقط على (أوبك) أن تنظم فعليًا السوق.. إذا كان المنتجون غير الأعضاء في (أوبك) ليس لهم سقف إنتاجي فلماذا يجب على (أوبك) أن يكون لها سقف؟». ولا تريد روسيا الإجابة بصورة واقعية عن هذا التساؤل، في تحد صريح لموقف «أوبك» التي طالما نادت بالتزام الدول غير الأعضاء بسقف إنتاج يضمن ارتفاع الأسعار؛ إلا أن تعدد الأطراف في «أزمة تخمة المعروض» جعل عدم الاتفاق هو سيد الموقف الحالي، وسط توقعات بوضوح أكثر للرؤية إذا لم تستوعب السوق الزيادة المتوقعة من إيران ومواصلة الدب الروسي زيادة الإنتاج.