×
محافظة المنطقة الشرقية

اجتماعي / أيتام حائل تودع 711900 ريال في حسابات المستفيدين

صورة الخبر

منذ مدة ليست بالقصيرة، اعتدت على ممارسة عادة جديدة لم أكن اهتم بها كثيراً من قبل، وهي تصفح الوجوه التي تُميز البشر، وقراءة القسمات والضحكات والإيماءات والنظرات، وملاحظة الالتفاتات والتصرفات والحركات. هذه العادة المثيرة التي أصبحت تُشكل هاجساً ملحاً، والتي لم أستطع التخلص منها رغم كل محاولاتي التي باءت كلها بالفشل، كانت أشبه بامتحان مع نفسي وقدرتي على ممارسة الحدس والتوقع والتنبؤ عبر الغوص في الأعماق البشرية والاقتراب كثيراً من طموحات وتطلعات ورغبات الإنسان الذي يُعتبر المخلوق الأكثر تعقيداً وغموضاً. كنت أتساءل دائماً وأنا أنظر إلى الوجوه البشرية، خاصة الأطفال والشباب: أي مستقبل ينتظر هؤلاء، وهل ستوجه هذه العقول والقلوب الطرية إلى قاعات العلم والمعرفة والإبداع والإنجاز، أم ستؤخذ عنوة إلى ساحات العنف والتشدد والقتل؟. هذا التساؤل المتكرر، كثيراً ما أرقني وأرهقني، وجعل هذه العادة المثيرة تزداد تغلغلاً في فكري ومزاجي. وبحكم عملي في مجال التعليم لأكثر من عقدين من الزمن، أصاب بالقلق والحيرة والخوف من المستقبل الذي ينتظر هذه الأجيال الصغيرة والشابة التي يعول عليها لبناء ونهضة الوطن الذي تُمثل فيه هذه الشريحة العمرية الشابة أكثر من ‏ من مجمل السكان. فهل يعقل أن يكون من بين هذه العقول الفتية والقلوب الطرية التي تحمل الطهر والنقاء والبراءة والعفوية، من سيُصبِح في المسقبل القريب فريسة سهلة لأصحاب الفكر الضال والمنحرف، بل ومجرد عقول مفرغة وأجساد مفخخة يُزج بها في ساحات الاقتتال والاحتراب والفتن والتوحش، تلك الساحات العنيفة التي حصدت أرواح الكثير من شبابنا الذين هجروا مقاعد الدرس والشرح والمرح وانتظموا في معارك عبثية ومغامرات وهمية هنا وهناك؟. وتُشير الأرقام والإحصائيات والنسب المختلفة إلى أن الأغلبية الساحقة من المنتمين للجماعات الإرهابية والإجرامية والتكفيرية هم من الفئة العمرية الشابة التي تتراوح ما بين و عاماً، وهذا يؤكد حجم الخطر الداهم الذي يستهدف هذه الشريحة الكبيرة التي تفتقد الخبرة والنضج والتجربة والحكمة. وهنا يكبر السؤال الذي لم يجد له إجابة شافية حتى الآن، ولا يبدو أنه سيجدها قريباً: هل تُمثل مدارسنا - وجامعاتنا أيضاً- البيئة الآمنة لأجيالنا الفتية؟. سؤال كبير ومعقد كهذا، لا يمكن الإجابة عليه في مساحة محدودة كهذه، ولكنه يحتاج إلى دراسات وأبحاث معمقة للوصول إلى الصورة الحقيقية لواقع التعليم في وطننا. المدرسة، وهي الحضن الدافئ والصدر الأمين لأجيالنا الفتية، تواجه مصاعب وتحديات وأزمات كبيرة وكثيرة جداً، وتحتاج إلى حزمة من التطورات والإصلاحات والتغييرات، سواء على صعيد المباني التعليمية أو المناهج الدراسية أو كفاءة المعلمين أو نوعية الطلاب. هذا المكون الرباعي لمنظومة التعليم في الوطن، يحتاج إلى وقفة -بل وقفات- جادة من قبل وزارة التعليم في نسختها الحديثة وخططها الطموحة، إضافة إلى كل الجهات والمجالات المعنية وذات العلاقة، لأن التعليم يُمثل الخطوة الأولى والركيزة الأساسية لإحداث نقلة تنموية ونهضوية لوطن يستحق أن يتحول بخطى واسعة وواثقة إلى مصاف الدول المتقدمة بما يملكه من ثروات وطاقات وإمكانيات بشرية ومادية لا مثيل لها على الإطلاق، وهذا لن يكون إلا بالإيمان الحقيقي بقيمة ومكانة وتأثير التعليم كقوة ناعمة غاية في النفوذ والأهمية والخطورة تُسهم في تنمية وتطور وازدهار الوطن. ألم يحن الوقت بعد لعمل مراجعة كبيرة وغربلة شاملة لمنظومة التعليم في وطننا؟. إن التعليم الذي يناسب هذه المرحلة الحرجة من عمر العالم، هو ذلك التعليم المتكامل والقادر على إنتاج أجيال سوية ومعتدلة تحمل شخصية متوازنة، ومتسلحة بالعلم والمعرفة والتجربة والتقنية، وقبل ذلك مؤمنة بمبادئ وقيم التعايش والتسامح والانفتاح، لأن التعليم الحقيقي لن يُحلق عالياً بسماء التميز والتفوق والإبداع والإنجاز إلا بجناحين مهمين وهما منظومة التعليم والتحصيل ومنظومة القيم الإنسانية والأخلاقية. شبابنا في خطر، وبحاجة ماسة لحزمة إنقاذ، فهل ندرك ذلك قبل فوات الأوان؟.