أصبح مشروع الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاوني الخليجي من المشاريع العملاقة ليس في الشرق الاوسط بل في العالم من نوعه، وجاءت فكرة الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي لتجسد أبرز الإنجازات المهمة التي حققها المجلس في ظل المشروعات الحيوية المشتركة بين شعوب المنطقة، وكان تأسيس "هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية" واعتماد نظامها الأساسي في عام 2001م كشركة مساهمة مملوكة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ومقرها الدمام يشكل خطوة أساسية للاستغلال الأمثل لموارد دول المجلس وكذلك للمستثمرين في مجال بناء محطات توليد الكهرباء حيث تعد الفكرة التي تقدر استثماراتها بنحو 11.25 مليار ريال يتم تمويلها من خلال الشبكات الكهربائية بنسبة 35% بينما ال65 في المئة الأخرى سيمولها القطاع الخاص والتي أصبحت واقعا يمثل خطوة مهمة في مسيرة التعاون الخليجي في مختلف الميادين العامة أهم عناصر هذا الترابط الذي طالما حلم به المجتمع الخليجي وعمل من أجله جميع قادة دولنا ومؤازرة وزراء الكهرباء والماء الخليجيين، فالربط بين شبكاتها الكهربائية العملاقة سيساهم في دعم موثوقيتها وأدائها إذا ما تم بالطريقة الملائمة، كما أنه سيكون خطوة من خطوات التكامل الاقتصادي الذي يقود المنطقة برمتها إلى التقارب بين المجتمعات واندماجها واستخدام الموارد العامة وفق الطرق الصحيحة، وكذلك التخفيض بنسبة 50 في المئة من احتياطي الطاقة الكهربائية لدول المجلس ومنح كل دولة نسبة مماثلة في تبادل الطاقة من سعة أكبر محطة توليد للطاقة لديها. وقال الرئيس التنفيذي لهيئة الربط الكهربائي الخليجي م. أحمد علي الإبراهيم "تعتبر المشاريع الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي رافدا حيويا استراتيجياً مهما لدعم اقتصادها، وقد برز الربط الكهربائي الخليجي كأهم تلك المشاريع المشتركة التي أثبتت جدواها وأهميتها الاقتصادية والاستراتيجية، والذي أثبت نجاحه في دعم شبكات كهرباء دول الخليج، وضمان استمرارية تدفق التيار الكهربائي في شبكات دول المجلس، ورفع مستوى الموثوقية والأمان للأنظمة الكهربائية الخليجية، بهدف أن تتجنب الدول اللجوء إلى فصل الأحمال خلال حوادث الفصل المفاجئ لوحدات التوليد في شبكات الدول المرتبطة، من خلال توفير الدعم اللازم للشبكات الخليجية المرتبطة خلال حالات الطوارئ في أكثر من 1.300 حالة منذ بدء تشغيل شبكة الربط في أوائل عام 2009م". وقد كان للأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية دور أساسي في نجاح مشروع الربط الكهربائي الخليجي، منذ إجراء دراسة الجدوى الأولى للربط الكهربائي الخليجي عام 1986م، وحتى تأسيس هيئة الربط الكهربائي عام 2001م حتى تم تنفيذه تحت إشراف لجنة التعاون الكهربائي والمائي على تأسيس هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كهيئة مستقلة محايدة مملوكة من حكومات دول مجلس التعاون. مراحل المشروع وعن مراحل المشروع أوضح الإبراهيم أن مشروع الربط الكهربائي الخليجي تم تنفيذه على ثلاث مراحل الأولى استغرقت أعمال المشروع في المرحلة 3 سنوات تقريبا بدءاً من عام 2006م، وانهى المقاولى أعماله في الربع الأول من عام 2009م، وتم تدشين هذه المرحلة في 14 ديسمبر 2009م، بدولة الكويت، تحت رعاية أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي- حفظهم الله-، والثانية انتهت أعمالها في عام 2006م، برفع كفاءة شبكتي كهرباء دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، والثالثة بدأت بدخول دولة الإمارات العربية المتحدة، عام 2011م، ثم سلطنة عُمان عام 2014م. وقد قام الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي بتدشين المشروع "ربط شبكة كهرباء دولة الإمارات العربية المتحدة بشبكة الربط الكهربائي الخليجي"، يوم الأربعاء 20 أبريل 2011م بمشاركة الوزراء المعنيين بشؤون الكهرباء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وأضاف الإبراهيم "استكمل المشروع أعماله بانضمام سلطنة عُمان إلى هيئة الربط الكهربائي رسميا بتاريخ 20 نوفمبر 2014 بتوقيع سلطنة عمان رسمياً على اتفاقيات انضمامها إلى هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتم تدشين هذا الانضمام بحضور د. عبداللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية"، مشيرا إلى أن الدراسات قد بينت القيمة الاقتصادية للربط الخليجي الكهربائي الخليجي التي نفذتها هيئة الربط الكهربائي مؤخرا بأن الربط الكهربائي الخليجي يوفر لدول المجلس على مدى 25 عاما القادمة عدد من المزايا الاقتصادية من بينها خفض الحاجة إلى بناء محطات توليد بقدرة إجمالية 5.32 جيجا وات بالاعتماد على الدعم من خلال الربط مما ينتج عنه توفير الاستثمارات في مجال الطاقة الكهربائية ما قيمته 5.66 مليارات دولار، علاوة على توفير قرابة 27 مليار دولار من تكاليف التشغيل والصيانة والوقود بما فيها التوفير في الاحتياطي التشغيلي، إذا تم الاستغلال الأمثل لجميع فرص تجارة الطاقة وكذلك خفض الاحتياطات المطلوبة إلى المستوى الأدنى بالاعتماد على المشاركة في الاحتياطي. ومن بين الفوائد أيضا قال الإبراهيم ان المشروع يوفر 225 مليون طن من الانبعاثات الكربونية إذا تم الاستغلال الأمثل لجميع فرص تجارة الطاقة وكذلك خفض الاحتياطات المطلوبة بالاعتماد على المشاركة في الاحتياطي. وبينت التقديرات أن الوفر الذي حصلت عليه الدول الأعضاء فعليا من الربط الكهربائي خلال عام 2014م قد بلغ 214.5 مليون دولار موزعا على نحو توفير استثمارات في بناء محطات الطاقة الكهربائية بلغ 67.92 مليون دولار كان يمكن توفيرها خلال 2014، حيث ان الدول الأعضاء قامت في العام 2014م بتشغيل عدد من المحطات الجديدة للطاقة الكهربائية بسعة 8.850 ميجا وات متجاوزة بذلك بعض الوفرات المتوقعة في تلك الدول، كما تم توفير تكاليف التشغيل والصيانة والوقود حيث بلغ 45.5 مليون دولار، حيث بلغت الطاقة المستوردة خلال عمليات تبادل الطاقة 460 جيجا وات، وبلغ التوفير في الاحتياطي التشغيلي 131 مليون دولار، وبلغت القيمة الاقتصادية للدعم خلال حالات الطوارئ 19.5 مليون دولار وذلك بناء على تجنب الانقطاع الجزئي خلال 227 حالة فصل مفاجئ لوحدات التوليد في شبكة الدولة المرتبطة خلال العام 2014 فقط. وبعد أن أثبت المشروع مدى استفادة جميع دول المجلس المترابطة دون الاستثناء من الرابط الكهربائي الخليجي، فإن الهيئة تسعى في هذه المرحلة إلى تحفيز استغلال الرابط الكهربائي الخليجي لتجارة الطاقة بين الدول الأعضاء، وإنشاء سوق لتجارة الطاقة الكهربائية فيما بينها، وذلك للاستفادة منه لتحقيق مكاسب اقتصادية أبعد من مساندة الدول الأعضاء في حالات الانقطاع المفاجئ للكهرباء فقط، وتقوم الهيئة بتشجيع الدول الأعضاء على ذلك، لوجود الفرصة التي يمكن من خلالها تحقيق عائد اقتصادي لجميع الأطراف المشاركة، كما له جانب بيئي بالتوفير في كمية الوقود بدلاً من حرقه عند استخدامه في المولدات الكهربائية ذات الكفاءة المتدنية، في حين أنه لو استعيض عن ذلك بقيام الدولة التي في حاجة إلى طاقة كهربائية بشراء طاقة كهربائية من دولة أخرى يتوفر لديها فائض كهربائي بتكلفة اقتصادية منخفضة أقل من تكلفة إنتاج الكهرباء في البلد المستوردة، فإن ذلك يؤدي لتوفير في النفقات التشغيلية وكلفة الوقود، وتحقيق قيمة اقتصادية مضافة، الأمر الذي سيمكن هذه الدولة أن توجه عائداتها المالية إلى مجالات أخرى غير مجال توليد الكهرباء حيث يمكنها شراء الكهرباء عبر السوق الخليجية للطاقة. وقد اكتسبت الهيئة سمعة عالمية من خلال سعيها للتعاون مع المؤسسات والهيئات العالمية الرائدة لنقل الخبرات الى منطقة الخليج وقد تم الاعلان خلال سبتمبر 2014م عن انضمام هيئة الربط الكهربائي الخليجي رسميا لشبكة أكبر مشغلي شبكات الربط الكهربائية الدولية (GO15)، والتي تمثل أكبر 18 منظمة نقل كهرباء في العالم، وتغطي فيما مقداره 80% من مجمل الطلب العالمي من الطاقة الكهربائية، كما تم عقد ورشة عمل مشتركة بين هيئة الربط الكهربائي الخليجي وشركة سوق الكهرباء السنغافورية حضره قيادات ومختصي الهيئة وشركات الكهرباء الخليجية المعنيين بتجارة الطاقة، حيث تم مناقشة بعض المعوقات لتجارة الطاقة بين دول المجلس وسبل التغلب عليها، كما تم التوافق بين الدول المشاركة إلى إقامة مشروع أولي لتبادل الطاقة، للبدء في التبادل التجاري للطاقة خلال عام 2015م، بغرض تحقيق قيمة اقتصادية مضافة للدول، كما انضمت الهيئة العام الماضي إلى اتحاد مشغلي أسواق الكهرباء العالمية للاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال. إن نجاح مشروع الربط الكهربائي الخليجي كأهم مشاريع البنية التحتية المشتركة بين دول المجلس ليرتبط ارتباطا وثيقا بامن الطاقة لدول المجلس، كما يدفعنا إلى السعي لتحقيق نجاحات مماثلة في مشاريع استراتيجية أخرى مثل مشروع سكك الحديد الخليجي ومشروع الربط المائي الخليجي وغيرها من المشاريع التي تدعم الأمن الاقتصادي لدول المجلس، ويمكن الاستفادة من تجربة إنشاء مشروع الربط الكهربائي في تجاوز الصعوبات التي قد تأخر تنفيذ مثل هذه المشاريع الخليجية المشتركة.