×
محافظة المنطقة الشرقية

خطة أمنية لمعالجة «الخلايا النائمة»

صورة الخبر

في خضم المسؤوليات، وزخم المعاملات، وإقبال المزايا، وإدبار المحاسبة، وفخامة المسمَّى، وتفخيم اللقب، وتعنُّت الحلول، وتيسُّر التأجيل، يعيش معظم أصحاب المعالي لدينا، يحتاطون بجيش مهول من مديري المكاتب الأمامية، ومديري المكتب الخاص، والسكرتارية، والشؤون الإدارية، والقهوجية، والسائقين، ولم يتبقَّ عليهم إلا حجز كراسي نوم فاخرة، لينام عليها أصحاب المعالي بين كل حين وآخر، ليسترخوا بعد مقابلة المراجعين، أو قبل الدخول في دوامة العمل. أصحاب المعالي محترفون في حفظ موشحات سابقيهم، وليست ببعيدة عنهم، فقبل أن يجدِّد صاحب المعالي مكتبه من إرث سابقه لابد أن يجلس فيه أياماً، يقرأ الأعذار، ويحفظ التبريرات، ويتعلم الحيل، ويدرس المواجهة، ويتدرب على الهروب من العقاب. أصحاب المعالي لدينا يجهلون اللقب كثيراً، يتراقص بعضهم على المسمَّى، فتجده لا يتحرك إلا بالبشت، ولا يتجول إلا مع مَنْ يحمل له أوراقه، التي تكون في معظمها تعميمات أزلية من عهد سابقيه، ولوائح بيروقراطية بائسة. أصحاب المعالي لدينا يخشون مواجهة الجمهور، ويدخلون في ذعر بالغ عندما يسمعون أوامر ملكية، لأن معظمهم يتوقع أن يكون اسمه على رأس القائمة، وطبعاً فإن مكمن الخوف بسبب سوء النتائج، وتواصل الأخطاء، وضعف الأداء. معظم أصحاب المعالي نراهم كثيراً، ونجدهم في كل محفل يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون، وهذه حقيقة مُرَّة، وإذا أردنا التحقق من ذلك فإن معظم أصحاب المعالي يدور بهم الكرسي قبل أن يدوروا به، وبالتالي فإن التغيير، والإعفاء، والإقالة ما هي إلا نتاج لدورة عمل صامتة، ونتيجة أداء باهت لا يوازي اللقب، ولا يساوي الثقة، ولا يعادل التكليف، الذي ترتبط به مئات القضايا العالقة منذ زمن، ويأتي «صاحب معالي» ليسقط كما سقط سابقه، إلا أنه يعزي نفسه بكمِّ المزايا، والهبات، والعطايا، التي يمنحها له المنصب، ويمنحها هو لذاته وفق ذمته وأمانته. أصحاب المعالي لدينا في حاجة عاجلة إلى الاستفادة من خبرات سابقيهم، إن وجدت، والاتعاظ، واستخلاص العبر من أخطاء مَنْ سبقوهم، لأن الإيجابيات باتت رمزاً لـمَنْ سبقوهم، ومجال اشتهار يخصهم، لذا بقي الإنجاز نادراً في سجلات أصحاب المعالي، ومخصصاً لفئة قليلة منهم، وأصبحوا يشتهرون به بصفته نموذجاً يحتذى به في وقت ندر فيه الإنجاز، فيما لايزال إرث الأخطاء والخذلان يُورث من «صاحب معالي» سابق لآخر لاحق، والمواطن، وتنمية البلد، يدفعان ثمن كل هذا السيناريو المتكرر في قاموس أصحاب المعالي. للمعالي أهلها، ورجالها، وللعلا قاماته. أنا هنا لا أعمِّم القاعدة، ولكني أستثني قلة من أصحاب المعالي ممَّن رسموا الإبداعات في مواقعهم، وخرجوا مبقينَ شموع إنجازاتهم مضيئة، فعقبهم مَنْ أطفأها، أو ظل يستنير بتلك الشموع في زمن يحتاج إلى مساحة أكبر من الإضاءة في الخطط والتنوير نحو غد مشرق. لقب المعالي لقب راقٍ ومهم ورفيع، يشفع لصاحبه باتخاذ القرار، وصناعته في البلد، ولكن هناك مَنْ لا يفهم معنى المعالي، ولا يعي دوره، ولا يستلهم مسؤولياته، ويتعامل مع اللقب بصفته تشريفاً، ويتناسى التكليف، ويتعامل مع المنصب باحثاً عن المزايا، والأخذ، تاركاً الإنتاج والعطاء لذا يجب أن يقدِّر أصحاب المعالي المسؤولية قبل اللقب، والإنتاج الواقعي قبل الأحاديث ولغة الخطابات، وأن يعلموا أنهم محاسبون أمام الله قبل البشر، وأن المعالي تحتاج إلى توليفة دينية، وإنسانية، وعلمية، وعملية، ووطنية مركبة، تجعله «صاحب معالي»، يرتقي إلى «العلالي» في ذمته، وعمله، وإنتاجه، والعبرة بالنتائج والحقائق.