تداعيات ما حدث في باريس من عنفٍ وتفجير، ومن ملاحقات المشتبه بهم من معتنقي الديانة الإسلاميَّة، في العديد من الدول الأوروبيَّة، أثار موجة خوف في أوساط سكَّان أوروبا من المسلمين؛ من جرَّاء ردود فعل المتطرّفين العنصريِّين في دولٍ أوروبيَّة، وتعبيرهم عن عزمهم على طرد المسلمين من البلاد، وارتكاب جرائم قتلٍ في حقهم. جدير بالتنويه أنَّ عددًا من المسلمين في أوروبا بدأوا يتقدَّمون إلى الأحوال المدنيَّة في المدن التي يقيمون فيها، طالبين أن يستبدلوا بأسمائهم العربيَّة أُخرى أوروبيَّة، تمويهًا لأصولهم العربيَّة. هذا الخوف ليس بغريب على مَن لديه معرفة بما آل إليه حال المسلمين بعد سقوط غرناطة 1492 على يد الملك فيليب، والملكة إيزابيلا؛ ومغادرة «أبوعبدالله» آخر ملوك بني الأحمر غرناطة مطرودًا إلى المغرب، وما تسبَّبت فيه محاكم التفتيش العنصريَّة من قتل مئات الألوف من المسلمين، وطرد الملايين من أراضيهم وممتلكاتهم إلى الشمال الإفريقي. وغالبَّية مسلمي فرنسا، وما جاورها من بلدان أوروبيَّة هم من أصول مغاربيَّة، يحتفظون في ذاكرتهم ما حدث من قتل وتشريد لأجدادهم، وقلَّة منهم من أصول المشرق العربي؛ وفي ذاكرتهم الهجمة الصهيونيَّة التي تسبَّبت في قتلٍ عددٍ كبير من الفلسطينيِّين، أو تهجيرهم. ومن تمسَّك بوطنه يعيش تحت الاحتلال، ويعاني من تداعيات إقامة دولة صهيونيَّة فوق التراب الفلسطيني، حيث زرع الصهاينة، ومن يحمي ظهورهم بذور الفرقة والاقتتال على الهوية الطائفيَّة والعرقيَّة بين شعوب المشرق العربي، أدَّت -وما تزال- إلى حروبٍ دامية كتلك التي طالت لبنان، وسورية، والعراق حاليًّا، ناهيك عن أَنَّ المواطنين من أصول جزائريَّة هم على دراية بما قاساه آباؤهم وأجدادهم من المستعمر الفرنسي، الذي مارست قوَّاته عمليَّات القتل حتَّى قيام الجنرال ديغول بإعادة الجزائر إلى أهلها. وضع كهذا يتطلَّب جهدًا عربيًّا مكثَّفًا على المستويات الإعلاميَّة، والدبلوماسيَّة لنزع فتيل الأزمة، وطمأنة عرب المهجر في دول الغرب على حياتهم واستقرارهم. ويتمُّ ذلك بتنسيق عمل إعلامي عربي أوروبي مشترك، يوجَّه إلى جميع سكَّان أوروبا، لتعريفهم بحوهر الإسلام الذي يتلخَّص في التعايش بين الأمم على تعدُّد عرقيَّاتهم ودياناتهم، ودعوة الإسلام إلى كرامة الإنسان، والحفاظ على حياته. في كلِّ أُمَّة قلَّة من ذوي النفوس المريضة بداء التعصُّب، مارسوا -وما يزالون- أعمال عنف عنصري لا تقرُّها الشرائع ولا الأخلاق، نطالع أخبارهم يوميًّا في صحف العالم، وصحف الولايات المتَّحدة خاصَّة التي لا تسلم مدينة أو قرية فيها من قتل يومي لأبرياء، ممّا يجعلها الأعلى بين الدول في عدد المجرمين والمقتولين. لذا لا يجوز تحميل الأمَّة الإسلامية تبعات ما يقترفه بعض الموتورين والمتشدِّدين، وهم في الغالب يجهلون سماحة الإسلام ووسطيَّته، وعلى عقلاء العالم أن يرفعوا الصوت عاليًا للحفاظ على حق الإنسان عمومًا في حياة كريمة مبنيَّة على العدل والإنصاف والمساواة.