×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / أمانة الجوف تنفذ حملة شاملة للتوعية بيوم الاقتراع

صورة الخبر

إذا طالعت صفحات الكتاب العزيز بتؤدة وتأن، لم تعدم أن تجد أوصاف المؤمنين، ونعوت المتقين، وصفات المحسنين، وعلائم الصالحين، وشارات المتقين، ونقطف هنا زهرة من زهرات ذلك الوصف الكريم، لنعتبق نسيمها، ونرتشف شيئا من أريجها، ونملأ صدورنا وأفئدتنا ببعض من هوائها العليل، نغيّر به حياتنا، ونقوم من خلاله سلوكياتنا، وننتشل واقعنا المهين، ونرفعه إلى المرتقيات الكريمة، والقمم العالية. ففي سورة الشورى يقول الله - جل في علاه: فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون * والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور الشورى: 36 - 43. بدأت الآيات بجملة شرطية أداتها (ما) التي هي مبهمة، وجاءت كذلك لتستوعب النفس معها كل ما يمكن أن يؤتى، أي: جميع ما بين أيديكم من النعم، وجميع ما في أنفسكم من هبات وعطايا، وترسخ ذلك بالحرف (من) الذي هو هنا حرف صلة، (أي: حرف زائد عند المعربين)، ليستغرق جميع الأشياء، ويدخل تحته كل ما يمكن أن يشيأ، وبني الفعل هنا مبني لما لم يسم فاعله، (أي: مبني للمجهول)، لأن النفس المؤمنة تعرف من الذي يؤتي ويهب، ومن الذي يتفضل ويعطي، إنه الله - سبحانه وتعالى - فهو القادر على العطاء، والمقتدر على المنع، فمتاع الحياة الدنيا، أي: فهو متاع في الحياة الدنيا، لا يدوم ولا يلبث أن يزول، إن كل ما في الدنيا زينة وليس قيمة، المال والبنون زينة الحياة الدنيا الكهف: 46، والإضافة هنا على معنى (في)، أي: زينة ومتاع هنا في هذه الحياة، وليس على معنى اللام، وإن أفاده التركيب، لأن الحياة لا تملك شيئا، إنما هي وعاء وظرف لذلك المتاع، فهو يتطلب زمنا يستمتع به فيه، وظرفا يستلذ في إطاره وزمنه، فهو رهن تلك المدة، ويزول فيها ولا يستمر، ففيم التكالب؟! ولم الخصام؟! ولماذا البعد؟! وفيم تكون الغفلة والنفور؟! ثم أرست الآيات معنى جديرا بالتوقف عنده، والمعايشة له، والالتحام به، والسير على نهجه ووفق مقتضاه، وهو قوله - تعالى -: (وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) الشورى: 36، هذا أمر من أوجب واجبات الاعتقاد فيه، والإيمان به، واليقين عليه، وهو وارد على سبيل الجملة الاسمية، والجملة الاسمية تفيد الديمومة والثبات والأزلية. والاستمرار: وما عند الله خير وأبقى، فـ(ما) اسم موصول عام مبهم يدخل تحته كل ما هو نافع وصالح وماتع، ويدخل تحته كذلك كل نعيم بمفهوم النعيم الأخروي الإلهي، من: قصور ومتنزهات، وحدائق وبساتين، ونساء من الحور العين، وولدان مخلدين، وأنهار من عسل مصفى، وبحار زاخرة بكل الطيبات، ومطاعم ومشارب، وسعادة روح، وراحة بال، وتخل عن المسؤوليات، وتحل بالأساور، والتنقل في المساكن الفارهة، ورؤية الأحباب والخلان والأصدقاء، والتلاقي مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والرفقة الطاهرة، والتمتع بنعم الله ورضاه، وتفيؤ ظلال كرمه ونعماه، فلتتخيل النفس قمة المتعة، ورأس السعادة، وسنام اللذة، وفؤاد الهناء، فهو نقطة في بحر العطاء الإلهي، لأن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فالإنسان العاقل هو الذي ينظر بعين الصدق إلى مسكنه في الآخرة، ويحاول في دنياه أن يترك حظ نفسه لله، ويقترب من مولاه، ويسعى في رضاه، ويلح في قرباه، ويمرغ جبهته شوقا للقاه، وإذا دخل الليل كان له حظ من بكاء ونحيب، لرب رحيم قريب، ودود حبيب، يقرأ: وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا، فيترك فراشه، وينصب قدميه لله، لأن القيام ألذ له، وأقرب من كل قريب، وينظر إلى ما عند الله بعين فاحصة، فيستصغر ما عنده وما عند الناس، ويقول: ما لي وللدنيا، إنما هي حياة متاع، ودنيا خداع، ودار غرور، وسرادق مرور، وما عند الله خير وأبقى، يستكثر ما فيه من نعمة، ويسخرها لعبادة المنعم، فالظرف (عند الله) يريح الفؤاد، ويسعد القلب، فهي عندية خاصة ومكان آخر، فالمختزن عند الله يزيد ويفيض، ولا يقل أو يغيض، يزداد ويتعدد، ولا يقل وينفد، والتعبير بـ(خير) يدل على أنه لا عطاء أخير منه، ولا هبة أفضل منه، فـ(خير) أفعل تفضيل، يعني: أنه لا عدل له ولا مثيل، ولا يقارن بشيء من متاع الدنيا في كثير أو قليل، وتأكد هذا المعنى بالعطف: (وأبقى)، فما عند الناس يزول وإن كان كثيرا، ويفنى ولا يبقى، أما ما عند الله فهو الأفضل والأبقى، كيف ينفد وخالقه الباقي؟! إنه يتصف بصفة خالقه وبارئه. لكن ذلك كله رهين بأناس محددين للذين آمنوا لأهل الإيمان فقط، لأصحاب المحاريب الذين أحنوا ظهورهم لله، ركعوا سجدوا، سبحوا تصدقوا، جاهدوا صبروا، أعطوا بذلوا، ضحوا وسهروا الليالي، دعاء وبكاء، آمنوا به وبرسله، وكتبه وقدره، خيره، وشره، حلوه ومره، اتبعوا رسله، وآمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبكل ما جاء به، ساروا على دربه، اتبعوا خطوه، وتشرّفوا باتباعه، وبذلوا مهجهم حبا له ولسيرته، وعملوا بموجبها، ووقفوا عند حدود الله، وقدسوا حرماته، وألجموا أنفسهم عن معصيته، وحققوا كل متطلبات الإيمان، ثم هم على ربهم يتوكلون، فهم يأخذون بأسباب كل شيء، ولا يتواكلون، يبذلون أقصى ما في وسعهم، ثم يتركون النتائج على ربهم، يقول أحدهم: عليّ أن أعمل وليس عليّ إدراك النجاح، فأمره إلى الله موكول، والله لا يضيع أجر العاملين، ولا يفوّت على من أحسن عملاً عملاً. وهنا أسلوب قصر، حيث تقدم ما حقه التأخير: وعلى ربهم يتوكلون، وذلك لإفادة حصر توكلهم على مولاهم، وقصره على ربهم، ففيه منتهى الولاء، وصدق الانتماء، وكريم الصلة، ورقي المنزلة، فالمؤمن الذي يحسن التوكل هو شخص ألقى في الأرض بذرة، ثم رعاها وسقاها، ثم ترك إنباتها على ربها وتوكل، وهو شخص نبيل في علاقاته مع نفسه، ومع الناس، ومع ربه، يفعل ما يرضاه دينه، ويقوم بكل ما طلبه منه الشرع، من حسن العمل، وصدق الإخلاص، وسلامة التوجه، وصفاء الاعتقاد، يتعب ويحسن، ويتقن ويجود، ويسهر ويضني، ثم يدعو الله أن يقبل، ويثمر ويهب ويعطي، وقد عالجت السنة كل ألوان صدق التوكل، ووضح القرآن معالم التوكل، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الأنفال: 60، ثم أتبع سببا الكهف: 89، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا مريم: 25، ((اعقلها وتوكل))، لقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، ((هذه يد يحبها الله ورسوله))، ((إن الله يحب العبد المحترف))، أي: المتخذ حرفة يقتات منها، فالتوكل نقيض التواكل، والإسلام شرع التوكل ودعا إليه، وحرم التواكل وعاقب عليه. إن أمتنا اليوم في حاجة ماسة لمراجعة حساباتها ومداومة النظر في علاقاتها مع ربها، لا بد أن تعي هذه الأمة أن ما أوتيته إنما هو متاع زائل، وعارية مستردة، ووديعة مردودة، وأن ما في يد الله أعظم مما في أيدي الناس، وأنه خير وأبقى من كل غال، وأن التوكل مطلوب، والإيمان رأس ذلك كله، فإذا أرادت الأمة أن تكون في طليعة الركب، وقائدة لا مقودة، تتبع ولا تتبع، وتقود ولا تقاد - فعليها بسنن الله، وحسن التوكل، ولكن شريطة أن تكون متقنة للعمل، يشقى جسدها، ويتوكل قلبها.