×
محافظة المدينة المنورة

عام / مدير جامعة طيبة يتفقد فرعها في ينبع

صورة الخبر

إسقاط الطائرة الحربية الروسية من طرف تركيا، هو تطور خطير في مجريات الصراع على سورية ينذر برد فعل شديد قد يشعل مواجهات مباشرة بين القوات الروسية والقوات التركية مدعومة بحلفائها في الناتو. ويبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين أحس بأن هذا الحادث هو تحد لما يقوم به من عمل حربي في سورية واستفزاز تقف وراءه الولايات المتحدة الأميركية وبعض القوى الغربية، لذلك توعد بعواقب وخيمة له، سيكون المتضرر الأول منها الشعب السوري. وهنا نستحضر صورة الوضع المزري الذي آلت إليه الشيشان، وهي إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، وما ارتكبه بوتين في إقليم القرم وفي المنطقة الشرقية من جمهورية أوكرانيا من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، مما يؤكد أن الإرهاب الذي تمارسه الدولة الروسية في هذه المرحلة في الداخل والخارج، هو إرث متوارث من العهد السوفياتي البائد الذي دمر شعوب آسيا الوسطى، وقتل الملايين من أبناء تلك المناطق، وتم خلال تلك المرحلة الوحشية تهجير الملايين من أبناء تلك الشعوب من مواطنها الأصلية إلى مناطق أخرى نائية. وإذا كانت الأقوال تتضارب حتى الآن، والادعاءات من الجانبين الروسي والتركي، تتناقض، والصورة الحقيقية لما وقع لم تظهر بعد، فإن الأمر الذي لا شك فيه هو أن دولة عضواً في الحلف الأطلسي أسقطت طائرة حربية روسية، بدعوى اختراقها المجال الجوي التركي، وهذا من حقها إذا ثبتت الحجة التي يبدو أن أنقرة عرضتها أمام الاجتماع العاجل الذي عقده حلف الناتو بدعوة منها. ولكن هذا جانب واحد من الأزمة، أما الجوانب الأخرى، فهي أن روسيا وجدت نفسها في مأزق حقيقي ستسعى للخروج منه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. فما دام من المستحيل جداً أن تنتقم روسيا بالهجوم على تركيا، لأسباب متداخلة ولموانع كثيرة، فإن روسيا ستعمد إلى الاضرار بالاقتصاد التركي الذي يعتمد في جوانب كثيرة على المبادلات مع روسيا، كما ستقوم روسيا بتحريك الخيوط التي تمسك بها مع نظام بشار الأسد، للمس بالأمن القومي التركي بأساليب شتى، منها ممارسة الإرهاب داخل التراب التركي من طرف «داعش» أو من قبل حزب العمال الكردي، أو بالتنفيذ المشترك بينهما، خصوصاً أن التفجيرات الإرهابية التي وقعت في أنقرة أياماً قليلة قبل الانتخابات البرلمانية المبكرة، اتهمت أنقرة الجهتين معاً بأنهما كانتا وراءها، هذا إلى جانب التركيز على توجيه الضربات الجوية الروسية إلى المناطق التي يوجد فيها المواطنون السوريون من طائفة التركمان التي تحظى برعاية تركية لا تخفيها أنقرة. ولذلك يتوقع أن تدمر تلك المناطق أكثر مما دمرت من قبل. وسيكون ذلك جريمة تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ترتكبها روسيا ونظام بشار الأسد في حق الشعب السوري. لقد وقفت تركيا مع الشعب السوري في انتفاضته ضد النظام الطائفي القمعي، وما فتئت تؤكد أن عودة السلام إلى سورية مرهونة بإسقاط نظام بشار الأسد. وتلك مواقف انتصرت فيها تركيا لقيم العدالة والسلام ولحقوق الشعب السوري. وما علمنا أن تركيا تخلت عن مبادئها وعدلت عن مواقفها أو تخاذلت عن دعم قوى الثورة السورية. في حين أن روسيا، ومنذ البداية، كانت منحازة لنظام بشار الأسد القمعي الطائفي وناصرته في المحافل الدولية من خلال استخدامها حق النقض في مجلس الأمن مع الصين، للحيلولة دون صدور قرار بإدانة هذا النظام. ثم تطورت بها الحال فنزلت بكل ثقلها في الميدان، وأنشأت قواعد بحرية وجوية وبرية في سورية، ونقلت قواتها إليها، وشرعت في شن الضربات الجوية المدمرة فوق المدن والقرى السورية بدعوى محاربة «داعش»، بينما هذا التنظيم الإرهابي لا وجود له في المناطق التي تضربها الطائرات الروسية. ولا يعرف إلى الآن أن «داعش» تعرض لهجوم مباشر من الطائرات الروسية أسفر عن خسائر في الأرواح والعتاد. فلا يزال هذا التنظيم المتوحش يتحكم في الأراضي التي احتلها داخل سورية والعراق، من دون أن تظهر عليه علامات التراجع والانكماش أو الانسحاب. بل هو لا ينفك يتمدد ويتوسع ويقتل ويبطش بوحشية متناهية ويمارس أبشع الجرائم في حق الإنسان، ويزرع الرعب في النفوس، ويهدد الأمن والسلم الدوليين، وهذا ما يثير الشكوك حول من يدعمه ويمده بالسلاح والمقاتلين. ومع أننا نستبعد أن يعمد حلف الناتو إلى اتخاذ قرار لمؤازرة الجمهورية التركية الدولة العضو فيه حربياً، ولكن نتوقع أن ما سيصدر عنه لن يتجاوز التأييد اللفظي والدعوة إلى التهدئة واحتواء الأزمة وحصرها في أضيق الحدود، إلا إذا وقع تطور مفاجئ يقلب الأوضاع رأساً على عقب، ويفتح المجال أمام أسوأ الاحتمالات. المطلوب في ظل هذا الوضع الخطير المهدد للسلم والأمن الدوليين، هو تغليب سياسة الحكمة والتعقل على سياسة التهور والغطرسة التي إذا انتهجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد تقود إلى نشوب حرب عالمية ثالثة تحرق الأخضر واليابس.