*الأزمة التنظيمية للحركة عام 64. شهدت الثمانية الاشهر الاولى من سنة 1964 بالنسبة للحركة من حيث، المستوى التنظيمي حالة ركود تام، وتفكك داخلي وتبعثر وتسيب تنظيمي، سواء على مستوى العمل اليومي وحراك الشارع أو غيره، إذ لم تعرف المدارس تظاهرات سنوية كالعادة، فكان جهاز الامن منشغلاً في المراقبة والمتابعة لعناصر قيادية عادت للوطن وتلتقط أنفاسها تواً، كان دينامو المسرح السياسي في الحركة في هذه الفترة تحديدا هو عبدالله المعاودة، الذي لم يتعرض للاعتقال منذ دخوله الحركة 1959 حتى اواخر 1964، فكانت مساهمته في ترتيب الاوضاع الداخلية التنظيمية واضحة للعيان وبمراسلاته مع قيادة الحركة في الكويت (خلال المد والجزر)، فبعد صيف 1963 ورحيل أحمد حميدان وكل الخطوط الاولى والثانية، تحمل المعاودة كشخص أساسي في قيادة جماعية، كل أعباء الفترة ما بين صيف 63 حتى لحظة اعتقاله في نوفمبر 1964، فقد كان المعاودة المسؤول التنظيمي الاول والرابط بين منطقة المنامة بامتدادها الريفي والمحرق وأطرافها، وحلقة الاتصال المستمرة الرئيسية مع حركة القوميين العرب في الكويت، ونتيجة العبء التنظيمي وتخلخل العمل الجماعي القيادي، ستنحو الحركة لأول مرة نحو أعمال العنف والتخريب، فكانت الشهور الاربعة الاخيرة من سنة 64 متوترة بحدثين أساسيين أزعج الجهاز الأمني والسلطات واستنفر كل قواها قبل أن تشتعل الغابة بالحريق، ففي 8 اغسطس من العام ذاته، حرق بعض من اعضاء التنظيم في الحركة وبرفقتهم مجموعة اختاروها أقواس الزينة في المحرق، التي كانت تبتهج بعودة الامير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البلاد، أثناء عودته من بريطانيا بعد توقيع اتفاقية جديدة حول القواعد البريطانية في البحرين، هذا النهج الجديد العنفي للحركة لم تتم المراجعة النقدية حوله لا في تاريخ الحركة الوطنية ولا تمت مراجعته تنظيميا في الحركة نفسها لاحقا كمناقشة مسألة القرار الحزبي، الذي اتخذه المعاودة هل هو بالتنسيق مع الحركة في الكويت أو مع عناصر قيادية أخرى في الحركة مثل (جاسم نعمة، عبدالله القصاب، وآخرين) أم أنه تصرف ذاتي من شخصية قيادية تعمل في ظروف لا مركزية ولا ديمقراطية وسرية؟ حيث التنظيم يومها كان يمر بطور من حالة التشوش والتفكك، وكانت سنة 1964 مقدمة حقيقية وواقعية لوضع الحركة الفعلي حتى اندلاع الانتفاضة، ففي هذا العام عاد من الكويت في أول سبتمبر أحمد الشملان حاملاً رسالة من رابطة التنظيمي في الكويت الى المعاودة / الذي أصبح بعد ذلك مسؤوله التنظيمي في البحرين ص136، (انظر فوزية مطر)* (مضى على حرق الاقواس ثلاثة أسابيع فيما بعد وصول الشملان وبفترة قصيرة من هروب الزياني من زنزانته في شهر سبتمبر وتخيلوا مناخ البلد البوليسي) وقد سبق الشملان للبحرين في يونيو من نفس السنة علي الشيراوي، وقد سحب جواز السفر بعد اسبوع من وصوله، فقد أكد الشيراوي أن السبب الرئيسي لسحب الجواز كان إرسال برقية باسم رابطة طلبة البحرين في القاهرة الى امير البحرين الشيخ عيسى احتجاجاً لاعتقال عيسى حسن الذوادي وما أشيع وقتها بوفاته. وكان الشيراوي يومها رئيسا للرابطة، والتي كانت عمليا تحت هيمنة قيادة الحركة في القاهرة، وهما عنصران دخلا الحركة في فترة واحدة 1959، ولكنهما ظلا في الأساس في تلك السنة خارج البحرين عند الانضمام، وبما أن المعاودة المسؤول الاول على حلقة ثنائية، مكونة من القصاب والشملان في شهري سبتمبر واكتوبر، فإننا بالامكان تخيل دور المعاودة في حركته الديناميكية بين مدينتين، ومسؤوليات عديدة تحتاج الترتيب المضني، ولكن قرار حرق الاقواس الذي لم يدم أبطاله خارج قبضة البوليس إلا فترة قصيرة جدا لابد من معرفة خلفياته. ويوضح لنا منشور جبهة التحرير الجماهير لسان حال جبهة التحرير لشهر نوفمبر 64 مدى توتر الوضع حينذاك فقد ذكر المنشور ما يلي: تفيد الاخبار بأن المناضل عبدالله الزياني والذي اعتقل مع زملائه محمد قاسم عطية، عبدالمنعم الشيراوي، علي الشتي وسالم حارب بتاريخ 8/8/64 استطاع الهرب من سجون المستعمرين البريطانيين وقام رجال المباحث بالتفتيش عنه دون جدوى وهناك شك بأنه اغتيل بصورة غامضة. برقية من القاهرة وهمس بين الناس عن موت عيسى الذوادي ولغط آخر عن اغتيال الزياني!!. وطبعا ضمن الحماس السياسي لجبهة التحرير في الخارج لابد وان تكون البيانات ساخنة، وليس مهماً أن تفتقد الدقة وتعتمد على لغط الشارع، نتيجة ضعف الحركة الوطنية في خلق جهاز رصد معلوماتي دقيق لكل ما يحدث في البحرين، بل ونجد تلك الافراطة في التعبير من مثل سجون المستعمرين في وقت ان المناضل الزياني! ذلك الشاب الغض اتخذ بنفسه قرار الهروب فورط الحركة وقيادتها معه، دون ان تغربل وتدرس الحركة مدى الفائدة والخسارة والعبء من ربكة شاب وعضو حلقي في الحركة (عمر عبدالله الزياني عند الهروب كان 16 عاما)، لكي تقوم بتهريبه أو تورط التنظيم بكامله في هكذا مسألة أو قضية سياسية، فقد استنفرت الحركة طاقتها لتهريب شاب كلفها باهظا، بينما كان المفترض زجره ونقده ودعوته للعودة الى السجن حاله من حال مجموعته، فعادة الاحزاب تهرب أمناء عاميين وشخصيات قيادية مهمة، لها من الاهمية في الحسابات التنظيمية كي تختفي من عين ورقابة البوليس!!. كان هروب الزياني ورطة سياسية لم تحسن قيادة الحركة يومها حكمة التعامل معها! ورأينا كم دفعت الحركة ثمنها، فوجدنا ان الحدثين في الربع الاخير من عام 1964 كحرق الاقواس وهروب الزياني، لم يكن إلا حماقة وتهور سياسي لم نقرأ أي نقد ذاتي مكتوب حولهما قط، ورأينا نتائج الحدثين من خلال رواية أصحابها أو من عايشوها وكانوا قريبين منها. يروي لنا لسان حال عبدالمنعم الشيراوي: كنا مجموعة طلابية في خلية تنظيمية (والأصح حلقة تنظيمية لأن الخلية أرفع من الحلقة) مسؤول عنها المرحوم عبدالله المعاودة وهو الذي كلفنا بمهمة الأقواس، الحلقة ضمتني أنا والمرحومين عبدالله الزياني وخليفة بوراشد ومعنا عنصر رابع، وقد تم تكليفنا أنا وعبدالله الزياني باختيار مجموعة من خارج التنظيم لانجاز العملية ص139 (فوزية مطر، المصدر نفسه). نلمس حقاً مدى الأزمة التنظيمية بأن يربط عضو قيادي اعضاء حلقة حركية طلابية!! بينما المفترض أن تكون هناك روابط تنظيمية من مستويات وسطية مسؤولة عن الحلقات الدنيا. ولا اعرف لماذا اخفى الشيراوي اسم العنصر الرابع بينما الجميع يعرف ذلك الشخص!! ولكننا سوف نحترم خيارات ورغبات من يودون ارتداء القناع هربا من حقيقة التاريخ. وبعد انشغال الاجهزة الامنية للبحث عن مجموعة حرق الاقواس كعمل تخريبي (هكذا ينبغي نعته، اللهم بلغة الامس عملاً بطولياً!!) والوصول اليهم دون عناء في فترة وجيزة. وسواء حملت عملية حرق الاقواس بعداً سياسياً أو دلالياً من حيث أهميتها الميدانية، فإن انعكاسات تلك العملية وتداعياتها السلبية على وضع الحركة تنظيميا كان كبيرا جدا، وقد هز التنظيم من الداخل للشروع في اعادة تشكيل القيادة الجديدة كمرحلة تاريخية فاصلة بين الازمة التنظيمية 64 وعشية اندلاع الانتفاضة في الشهور الاولى من سنة 1965، نستطيع بتوصيفها بمرحلة ما بعد حرق الاقواس وهروب الزياني واعتقال المعاودة ثم تبعه اعتقال عبدالرحمن العبيدلي (جكنم) من المطار، وهو عائد من القاهرة بعد تخرجه ضابطا في كلية الشرطة المصرية، وهو الذي بدأ ملفه ينتفخ بالمعلومات منذ صيف عام 62 ضمن الستة المشاركين في الدورة العسكرية.