لا يحتاج قارئ رواية "ليالي عنان" إلى جهد كبير ليكتشف أن راوي الأحداث هو نفسه المؤلف حسن السبع؛ الشاعر السعودي الذي أصدر عمله السردي الأول بعد مجموعات شعرية من بينها "زيتها وسهر القناديل 1992". أبو علي اليمامي هو قناع الراوي الذي يضعه المؤلف ليأخذنا في رحلة فانتازية إلى القرن الرابع الهجري للقاء مؤلف كتاب الأغاني "أبي الفرج الأصفهاني" الذي يتحول إلى دليل سياحي وثقافي يأخذ بطل الرواية إلى القرن الثاني الهجري وتحديداً إلى تلك الصالونات الأدبية التي انتعشت مع قيام الدولة العباسية. هناك في مجلس الناطفي -تاجر نخاسة- يلتقي بطل الرواية بأبي نواس وأبو الشمقمق والعديد من شعراء ذلك الزمن ومن بينهم تظهر "عنان" الجارية الشاعرة العذبة التي ساقها قدرها إلى بغداد، لتنزل في بيت الناطفي وتنخرط في أمسياته المشبعة بالشعر والأدب والحياة، دون أن تعلم أن ثمة قدراً فانتازياً آخر سيواجهها وهو وصول شاعر من القرن الخامس عشر الهجري.. وهو صاحبنا أبو علي اليمامي أو "حسن السبع".. الذي سيقع في حبها، ويغير من مصيرها، من التشرد والضياع بعد موت مولاها الناطفي إلى حياة ورقية سحرية، يهبها لها الراوي في نهاية هذا النص الطويل والممتد إلى 487 صفحة، كتبها السبع في ما يقارب الست سنوات. تستخدم الرواية اللغة العصرية، لتسرد حكايات وعوالم موغلة في التراث وهو ما يعكس افتتان الكاتب بالزمن العباسي الذي نكتشف أنه أكثر رحابة و"سعة" من زمننا الحالي حسب النص السردي. ربما يختلف البعض مع الحبكة التي قام عليها بناء العمل، حيث اختار السبع مدخلاً قد لا يكون مغرياً "دراميا"، يتمثل في دخول الراوي في غفوة، ثم نوم فحلم يعود به ألف عام إلى الوراء، ثم يصحو على نهاية الرواية، غير أن حسن السبع لديه ما يبرره مؤكداً في ندوة احتفائية أقيمت لإصدار الكتاب، في قاعة الفنار بسيهات، بالقول: "هذه الرواية تعد بمثابة العمل السردي الذي يمتزج فيه الواقع بالحلم، والماضي بالحاضر، والتاريخ بالفانتازيا"، مشيراً إلى أن الرواية تحمل بين طياتها أسماء ووقائع لتصبح جسراً يمكن العبور عليه للوصول إلى قضايا ثقافية واجتماعية راهنة. موضحاً أن "ليالي عنان" لا تعتبر رواية تاريخية، بل عمل يتكئ على بعض الوقائع التاريخية، ويتخذ منها منطلقاً للتعبير عن مسائل ثقافية واجتماعية معاصرة، منوهاً أن "بها يبدأ الأدب حيث ينتهي التاريخ". بقي أن نشير إلى جزء يتعلق بالسخرية الموجودة في الرواية، فعلى عكس ما قد يظنه البعض من أن التوغل في التراث وأجوائه يستدعي الكآبة والجدية، فإن السبع، اختار أن يلون التجربة بروحه المحبة للسخرية والضحك، وهو الذي أصدر سابقاً تجربة شعرية ضاحكة ونادرة، بعنوان: "ركلات ترجيح".