إذا كانت أمانات المدن لا تنفذ المشاريع المطلوبة منها، وإذا كانت قرارات المجالس البلدية لا تنفذ، فما هو بالتحديد عمل هذه الأمانات وهذه المجالس؟ في تقريره عن آخر كوارث جدة من السيول، والمرفوع لخادم الحرمين الشريفين، قال أمير المنطقة إن أمانة جدة لم تنفذ مشاريع الأمطار، وهي، فيما نعلم، مشاريع جاهزة تخطيطا وهندسة ومعتمد تمويلها، مما يثير السؤال لماذا لم تنفذ؟ هل هي تعقيدات بيروقراطية في التمويل، أم مشاكل مع مقاولي التنفيذ، أم مجرد سوء إدارة؟ وإذا كان صحيحا ما جاء في الأخبار بأن هناك 790 قرارا للمجالس البلدية خلال العام الماضي لم تنفذ في طول البلاد وعرضها، فهل يجوز السؤال، والحالئذ، لماذا غرقت جدة أو الرياض أو تبوك أو بريدة؟. أسئلة محيرة لا تكفيها إجابة أنه عجز إداري، لذا فإن الخطوة التالية بعد ثبوت التقصير ليس استبدال مسؤولي هذه الجهات، فقد يكون لهم عذر ونحن نلوم، حتى لو كان هناك فساد لا يمكن أن يطغى لدرجة إغراق، خمنت بمقال أول أمس أنه الجهل بأصول بناء المدن برغم تشبع أمانات المدن بأساتذة وخبراء بناء المدن، ومع استمرار ظني ذلك إلا أني أضيف إليه اليوم ضرورة التحقيق في القضية من جهة محايدة لفهم عوائق التنفيذ بجانب الجهل والفساد وسوء الإدارة. وهذا كله مع تعضيد موازنات مشاريع الاستفادة من السيول، ولا أقول تصريفها وحسب، فما أحوجنا لهذه المياه المهدرة بتخزينها وإعادة تدويرها لمستويات استخدام مختلفة. كما يعلم الجميع تعتبر وظيفة الرقابة من أهم الوظائف الإدارية، بل إن علماء الإدارة يحكمون بالفشل علي أي مشروع أو إدارة تفتقر لوظيفة المتابعة التي تستلزم مبدأ المحاسبة، وهو مبدأ اتكأت عليه الدول المتقدمة لتحقق تقدمها وترسخه، وهو مبدأنا ومن بعض بضاعتنا التي سلبت منا، وقد قاله ذو النورين الخليفة الراشد الثالث: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، فما أحوجنا لتبنيه في كل معاملاتنا ومشاريعنا، وكما قيل فإن الطريق إلى جهنم معبد بحسن النوايا، النية الطيبة وحدها لا تكفي، فعدا أن النية مطية، هي علم غيب لا يعرفه إلا صاحبه، لا يحاكم على النوايا وإنما يحاسب المرء على الفعل والتنفيذ والإنتاج، فمن أحسن له الحسنى ومن أساء التصرف أو قصر يحاسب، لأن تركه أو علمه أن أقسى حساب هو الإقالة يعطي رسالة خاطئة لغيره بالتمادي والاستمرار.