من البديهيات أن أي تجمُّع له خصائص واحدة، ويجمعه تاريخ واحد، وملة واحدة، وجغرافية متلاصقة، ولغة واحدة، ومصير مشترك واحد، أن يكون على درجة عالية جداً من التنسيق والتعاون والسعي نحو الاتحاد، في مواجهة ما يمكن أن نُسمِّيه بالعدو المشترك. والمسلمون، كأمة، لها تاريخها المشترك، ولها جغرافيتها الممتدة، ولها لغتها الواحدة، ولها ملتها الواحدة، ولها أعدائها، الذين يعاملونهم كأمة واحدة، على اعتبار أن هذه القواسم المشتركة، يجب أن تصهر الأمة في بوتقة سياسية واحدة، فتخرج سياستها متسقة ومتناغمة، لا متنافرة. وخلال الأسبوع الماضي، فقط، ولن نذهب بعيداً نستقصى الحوادث، والمواقف، وجدنا ما يطعن كل هذه الثوابت والقيم المشتركة، ويقفز فوق كل معاني توحيد الكلمة، وجمع شمل الأمة، في هذا الوقت العصيب الذي تتكالب عليها فيه الأمم، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. الموقف الأول من سلطنة عمان، التي هدَّدت بالخروج من مجلس التعاون الخليجي، إذا اتخذ قادة المجلس خطوات جادة نحو الاتحاد، وهو موقف شديد العجب، ومهما قيل من مبررات، فلا يمكن أن تكون محل قبول؛ لأن المتصور، أن انتماءها، يحتم عليها المساهمة في الانتقال من مجرد التنسيق إلى الاتحاد. وهذا الموقف يطرح تساؤلات عدة، حول الموقف الذي يمكن أن تتخذه سلطنة عمان إذا ما كان هناك تهديد جدي يهدد دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، والمنطقة على العموم، وهل ستكون على الحياد في حال أي اعتداء إيراني على الدول الخليجية، أم ستتخلى عن حيادها، وهنا يأتي السؤال الأصعب عن الجهة التي ستنحاز إليها. إن موقف السلطنة، في حقيقته، ليس مستغرباً، إذا أخذنا بالاعتبار مجمل مواقفها التاريخية من قضايا الخليج، وانحيازها في كثير من الأحيان للموقف الإيراني، حتى في ظل وجود تهديدات واضحة من طهران، واعتداءات على بعض دول الخليج، وقد يكون البعد العقدي مؤثراً بشكل كبير على توجهات قمة السلطة هناك. ومن المهم، والحال كذلك، أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي، على بيِّنة بهذه المواقف السياسية، والتوجهات الأيدلوجية لسلطنة عمان، وأن توجد لنفسها بدائل متعددة، لمواجهة المستجدات على الساحة الخليجية، والحفاظ على تماسك المجلس، وتفكيك أية محاولة لتفجيره من داخله، وأن يتسع النطاق لانضمام دول أخرى. الموقف الثاني، من الأردن والسلطة الفلسطينية، حيث توصل ممثلون عن الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية في الولايات المتحدة إلى اتفاق تاريخي يرمي إلى ربط البحر الأحمر مع البحر الميت، ويشمل المشروع إقامة منشأة لتحلية المياه في مدينة العقبة الأردنية لتوزيعها على الدول الثلاث. نحتاج ألا نعلق كثيراً على هذه الاتفاقية، ونأخذ تعليق وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم، والذي قال لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن هذه خطوة تاريخية تحقق حلماً يراودنا منذ سنوات طويلة، ويوجد هنا تعاون استراتيجي له معانٍ سياسية بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية. هذه الحوادث وغيرها، مما خفي، ولم تصل إليه عيون الإعلام، ولا أقلام الصحف، يدعونا إلى أن نطرح سؤالاً مُراً: هل نحن في حاجة إلى التفتيش عن الذين ينتمون حقيقة إلى هذه الأمة!