في هذا الزمان العربي يحار الفكر في مصير هذه الأمة المتنافرة في دائرة محيطها أمم محدقة بها من كل جانب بعد أن تداعت عليها، متناهبة حولها بكل الرضى والقبول من المتنافرين المختلفين فيها، فلا يجد الإنسان لتساؤلاته إجابات عما يجري أمامه كنتيجة لعبثية خلط الأوراق في الفوضى المدمرة لدولنا، في ظل تشابك الثوابت في الرؤى الأجنبية وتضارب المتغيرات في سبل تحقيقها. لن أعود إلى ذكر ما ورد من عناوين أم الرؤى عن هنري كسينجر وكوندا ليزا رايس وهيلاري كلينتون، وغيرهم كمسؤولين بارزين في الإدارات المتعاقبة للولايات المتحدة الأمريكية، فيكفي مانراه يتخلق أمامنا من خراب الفوضى الخلاقة في بناء الشرق الأوسط الجديد. وكما هو معروف تتواشج الرؤى الأوروبية مع تلك الرؤية الأمريكية الشيطانية التي ستؤدي في النهاية إلى تسلط إسرائيل على كل الدول العربية، بعد القضاء تماما على ما يتبقى من البقية الباقية في الروح العربية. ولن أكرر ما استشهدت به من فتاوى رجال الدين الإيرانيين من المسؤولين الحكوميين وغيرهم، كدليل على رؤية الخميني المستندة إلى نظرية ولاية الفقيه في تصدير الثورة للهيمنة على العالمين العربي والإسلامي. وتتداخل بين تلك الرؤيتين أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي على ما أرى أنه يطمح إلى إحياء الإرث العثماني للهيمنة على العالم العربي بإعادة انبعاث فكرة الخلافة الإسلامية. وبين أولئك وهؤلاء يبدو أن روسيا لن تواصل وقوفها مكتوفة اليدين بعد أن خسرت كل ما كان لها من عراق صدام وليبيا القذافي، فقررت أن لا تخسر ما تبقى لها من سوريا الأسد كذلك. لقد بادرت روسيا بتكثيف تواجدها العسكري وتفعيله بالقصف الجوي على كل أطراف المعارضة دون تمييز بينها وذلك لإطالة بقاء النظام السوري، حتى يتسنى لها الاطمئنان على مصالحها في الشرق الأوسط ببقائها على الأرض في آخر مكان لها تواجد فيه، إلى أن تضمن حصتها من الإرث في صفقة الاتفاق على رحيل بشار الأسد. ذلك التدخل العسكري الروسي المباشر على خط الهجوم العسكري على المعارضة برؤية أحادية، لم يرق للأطراف الأخرى المتحالفة ضد النظام السوري، خاصة تركيا التى من الواضح أنها تريد أن تضم إلى حدودها ما يمكن اقتطاعه من الأرض العربية في سوريا. فمع استمرار القصف الروسي للمناطق التركمانية التابعة للمعارضة في سوريا، لم يعد كاف بالنسبة لتركيا تقديم احتجاجاتها على اختراق المجال الجوى التركي من قبل الطائرات الروسية في طلعاتها الهجومية، لذلك قامت في يوم الثلاثاء 24 نوفمبر بإسقاط تلك الطائرة بعد أن اخترقت مجالها الجوي كما تقول. ذلك الحادث الخطير الذي ما زالت تداعياته مستمرة، كان الرد المباشر عليه هو ضغط اقتصادي، بدءاً من حث المواطنين الروس على عدم السفر إلى تركيا، وعدم الاعتماد على سوقها كشريك في التجارة الروسية التي تعتبر عنصرا مهما في نشاط السوق التركية. وهنا أعتقد أن حلفاء تركيا الغربيين عبروا عن دعمهم لتركيا في موقفها تجاه روسيا، بالتعويض عن خسارتها جراء الضغط الإقتصادي الروسي، حيث بادر الاتحاد الأوروبي، في اليوم التالي مباشرة، بإعلان موافقته على تقديم ما يقارب الثلاثة مليارات يورو التي طلبتها تركيا لاستيعاب اللاجئين السوريين، بعد أن كان قد وافق على دفع مالاً يزيد عن مليار يورو فقط. لقد ارتأت روسيا أن تشن حرباً اقتصادية رداً على حادث إسقاط تلك الطائرة، وأن تبدأ حرباً طويلة على المعارضة المدعومة من تركيا، نظرا لإقدامها على قتل أحد الطيارين قبل وصوله سالما بمظلته الى الأرض، فهل يكون لكل ذلك رد فعل تركي يكون بداية لحرب عالمية ثالثة؟ كل طرف من تلك الأطراف له وجهة يتجه نحوها مهما تعددت أو اختلفت السبل، أما نحن العرب فلا وجود لنا إلا كسائرين في الظلام نتلمس خطى الآخرين، وهذا الوطن العربي المتردي في الشقاق بين أهله ليس في حاله جزء ينطبق عليه قول حال اشوى من حال، فأتخيله كما تخيل حبيبته كاتب أغنية عيني عيني لسعدون جابر لا انت فرح وابتسم.. لا انت دمع وابكيك... لا انت حبيب ونحب..لا انت عدو انعاديك وفي قوله خلاني وقتي وياك ريشة ابوسط ريح...لا تثبت على القاع ولا تقبل اتطيح، لقد أصبحنا في هذا الوطن العربي كما يقول الشاعر إن الواحد منا يحمل في الداخل ضده، فالواحد منا لا يعرف هو مع من ولا من مع من ضد من.