أثبتت القصيدة العربية عبر الزمن أن لها مقدرة كبيرة على التغيير والتنوير، والأمم التي عرفت هذا الدور لا تغفل عن الشاعر ولا عن كلامه الذي يساهم في تشكيل وجدان الشعوب، لأن الشاعر المعجون بقضايا أمته والمهموم بها قادر على الشعور بآلامها وعذاباتها وطموحاتها وفرحها، والتعبير عنها بحسه ورؤيته التي تختلف عن السائد في الكلام. وقد عاش الشاعر في التاريخ العربي عزيزاً كريماً، وفرض حضوره على خريطة المشاهد التي مرت بها أمته أو قبيلته، والتاريخ يسرد لنا على صفحات مضيئة ما كانت تقوم به القبائل من احتفالات عظيمة حين يولد لها شاعر، فهو وسيلة الإعلام التي تنقل الصورة بل وتساهم في صنعها من خلال ما ينشده من كلام يكون له أثر في التحفيز على الإقدام والصبر والوقوف في وجه العواصف لصد كل هجمة قد تدمر روح الفريق وتجلب له الهزيمة، وقد واجهت الأمم في كل زمان ومكان أحداثاً مختلفة التأثير، فبعضها مفصلي استطاع أن يغير وجه ومعالم وخريطة المكان ومن يعيشون فيه، وفي مثل هذه الأحداث فإن الدول في حاجة ملحة إلى لاعب ماهر يساهم في القيام على لعب دور حقيقي، وهذا اللاعب يفترض فيه أن يتسلح بالمعرفة والرؤية والذكاء والحكمة والشجاعة والقدرة على شد الانتباه واستشراف القادم وما تحتاجه المرحلة من تصرف حكيم يحفظ لها ما أنجزته، ويحقق لها ما تطمح إليه في المستقبل، ولكي يصل هذا اللاعب إلى الهدف الذي يريده ويصنع الفرق، فإنه بحاجة إلى أن يعيش المشهد ويعرف أبعاده وإلى أي مدى يمكن أن تساعده إمكانياته المتعددة في تحقيق الهدف وتخليص النتيجة لصالح من ينتمي إليهم، ولذلك فهو محتاج إلى من يمده بوسائل تساعده على الوصول إلى الطريقة المناسبة التي يضرب بها الخصم بدقة. إن الشاعر الذي يؤمن بأن الشعر قضية، وأن الشاعر ابن مجتمعه وعليه أن يدخل في نسيجه ويؤدي دوره في المساهمة في التعبير عن قضاياه المختلفة، يدرك أن عليه أن يفعل هذا الدور من خلال قصيدته، فمثلما كان الشاعر العربي حاضراً سلباً أو ايجاباً في الحروب التي مرت بالقبائل والدول منذ عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحديث الذي يزخر بالعديد من الشعراء الذين ساهم شعرهم في تفعيل دور البعد القومي والإنساني، فإن الشاعر الذي يريد أن يخلد شعره في ذاكرة أمته في كل زمان ومكان عليه أن يشاركها في كل مراحلها، وأن يكون بين الناس ساقياً لبذور الأخلاق والمعاني التي تدعو إلى الوحدة والشجاعة والحرية والحياة الآمنة المطمئنة الكريمة، وأن يوجه بوصلة بوحه بحكمة وفكر واع يجنبه السير في دهاليز التفرقة ونفس الطائفية، وأن تكون كلمته حديقة يدخل إليها الجميع ليستظلوا بأشجارها الوارفة بالجمال، ويشموا عبق حروفها المتعطر بالصفاء ورقي الإنسانية، فالقصيدة ابنة شاعرها، والشاعر مطالب بأن يعتني بمولوده وتهذيبه من أجل أن يظهر الصورة المشرقة التي تعبر عنه وعن أمته، ولكي يكون الشاعر رأس حربة مجتمعه عليه أن يمتلك مهارات عالية ولياقة كبيرة تجعله يتنقل بخفة ويراوغ في مجالات عديدة، وما أحوج الأمم في قضاياها التي تدافع فيها عن المقدرات إلى الشاعر الذي يمجد بشعره ما يقوم به حماة الوطن من دور كبير في ساحات الوغى للدفاع عن الكرامة والعرض والوطن، وأن يبرز بكلماته المؤثرة دور الشهيد الذي قدم روحه فداء من أجل أن يعيش الجميع وينعموا بحياة كريمة خالية من التشظي والشتات والغربة والفرقة. محمد عبد الله البريكي hala_2223@hotmail.com