على صعيد علاقاتنا الإنسانية.. كل شخص منا هو مصدر أحزانه وآلامه فيها، على عكس ما يعتقده البعض بأن الآخرين هم السبب، فما يحدث أننا إذا رفعنا سقف توقعاتنا منهم، نصاب بالصدمة والخذلان والألم عندما لا يأتينا الواقع بما رسمناه في مخيلاتنا. أما في الأدب، فالوضع مختلف، إذ كلما تمكن المبدع خلال عمله من إحداث مفاجأة تخالف توقعاتنا، كان للعمل الوقع الأمثل في نفس المتلقي. هكذا اشتغل سلطان العميمي على مجموعته القصصية «غربان أنيقة». في هذه المجموعة الصادمة اشتغل سلطان على ثيمة «المفاجأة» غير المتوقعة، بدءاً من العنوان الذي أرفق صفة الأناقة فيه باسم طائر طالما اشتهر بسمعته الرمزية في القبح والخراب! ومروراً بالقصص الـ37 التي حفلت في كثير منها بتفاصيل ونهايات مفتوحة تشبه إبداعات الفن التشكيلي الذي يحيلك على نوافذ واحتمالات كثيرة من الحزن والفرح، نهايات متطرفة تماماً تحمل النقيضين في الوقت ذاته، كالبقاء بلا حركة أو الذهاب بلا عودة. أدخلنا العميمي عبر قصصه إلى تفاصيل خاصة جداً وحميمية كان لحاسة السمع في كثير منها دور البطولة، فالسكينة التي يخلقها نص لا أسماء ولا هوية ولا ملامح جسدية لشخوصه، أغدقت بجمال على حساسية أي صوت يصدر عنهم حتى في حفيف ثيابهم وأنفاسهم، وغيرها من الأصوات التي تكاد تشعر بها بجانبك في جو ساكن إلا منها، ثم لا يلبث أن يرميك الكاتب بكل أناقة إلى خارج حدود قارة الهدوء والسكينة إلى حفلة صاخبة يملؤوها صخب من الضحك والاستخفاف. في أحيان كثيرة بدت بعض النهايات كأنها مأخوذة من قصص أخرى، وبدا النص القصصي في أغلب القطع في المجموعة كقطع الكولاج، استخدم فيها سلطان مواد مختلفة، قماش الساتان وورق صحف سياسية وآخر من مجلات نسائية وقطع خيش، ليجمعها -بعد أن أفرغ منها معناها الأصلي- في تركيبة جديدة وحولها بطريقة مفاجأة إلى معنى غير متوقع مختلف تماماً عما هو شائع. *** ألتقط نفسي في السادسة صباحاً، وحيدة في مواجهة أشياء لم تحدث. عيون وأصوات.. ربطة عنق وحذاء قديم.. وقبله لم يكن الوقت كافياً لامتلأ بها. كالعادة، موهبة بلا حرية، ورائحة الخلود في مكان مناسب للضياع، فالذاكرة مثقوبة ولم يعد أحد يذكر الجنود. عزيزي سلطان العميمي.. هذا ما علق في ذاكرتي من العناوين الملهمة للقصص القصيرة في مجموعتك الأخيرة.. «غربان أنيقة». Alsaad.Almenhaly@alIttihad.ae