منذ بداية الهبة الشعبية الراهنة، لعبت الخليل دوراً محورياً فيها، وتبادلت الأدوار في قيادتها مع القدس التي كانت سبباً رئيسياً في اندلاعها، ثم سرعان ما تحولت الخليل إلى رأس حربة هذه الهبة الجماهيرية ومحركها في بقية أنحاء فلسطين المحتلة، ما جعلها هدفا مباشراً لقوات الاحتلال وآلته القمعية التي شرعت في استباحة المدينة وبلداتها وقراها على نحو غير مسبوق. القدس والخليل توأمان، يجمعهما التاريخ والجغرافيا والإرث الديني وحتى العائلات المشتركة، وهو ما يعكس الاستجابة السريعة للهبة الشعبية، من دون أن يقلل ذلك بالطبع من دور المدن والبلدات والقرى والمخيمات في مختلف أنحاء الضفة الغربية. لكن تركيز الاحتلال على الخليل بأوامر مباشرة من نتنياهو وحكومته، هو ما يجعل المنطقة في عين العاصفة، إذ رغم كل عمليات البطش والتنكيل والإعدام الميداني وتدمير المنازل وحملات المداهمة والاعتقال، وحتى مصادرة الفضاء الإعلامي عبر إغلاق الإذاعات المحلية ومنع وسائل الإعلام من نقل وقائع جرائمه البشعة، بذريعة التحريض، وبث الأغاني الملهمة لعمليات الطعن والمقاومة، لم يحصد الاحتلال سوى الفشل الذريع في مواجهة الإرادة الصلبة للشبان والشابات المنتفضين، الذين ردوا على جبروت هذا الاحتلال وغطرسته بكلمة بهمش (لا يهم). وإزاء ذلك، أمر نتنياهو بالتصعيد، ودفع وزير حربه موشيه يعلون بكتيبتين إضافيتين من لواء كفير لقمع مركز الهبة الشعبية في الخليل، حسب تعبيره، بذريعة أن معظم منفذي عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار على جنود الاحتلال ومستوطنيه يتحدرون من منطقتها، فيما أوعز نتنياهو إلى أجهزته الأمنية بتكثيف عملياتها في منطقة الخليل، معتبراً أنها باتت تشكل نقطة انطلاق لمعظم تلك العمليات. عمليات التنكيل والإرهاب الوحشية بدأت بالفعل مع تزايد عديد قوات الاحتلال التي انتشرت في منطقة الخليل، وهو الأعلى منذ بداية الهبة الشعبية قبل نحو شهرين، واستهلها جيش الاحتلال بفرض طوق أمني على المنطقة، ونشر الحواجز بكثافة على مداخل القرى والبلدات وعزلها عن بعضها بعضاً، وعلى مفارق الطرق وداخل الأحياء، يرافقها حملات تفتيش أمنية في كل المنازل والمؤسسات وحتى الأودية والكهوف بحثاً عن أسلحة ومطلوبين. لكن كل هذه الإجراءات منيت بالفشل أيضاً، ما دفع قادة الاحتلال الذين أصيبوا بالهستيريا والهوس اللجوء إلى فرض الحصار الاقتصادي كعقاب جماعي في محاولة لإخضاع المدينة وقراها، خصوصاً بعد إقدام الشاب رائد المسالمة ابن مدينة دورا التابعة لمحافظة الخليل بتنفيذ عملية طعن قبل أيام في قلب تل أبيب أسفرت عن مقتل مستوطنين، ليتبين لاحقاً أنه كان يحمل تصريح عمل حديث الزمن، ما دفع قادة الاحتلال إلى إلغاء 1200 تصريح عمل لفلسطينيين من المنطقة يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 1948، أي قطع أرزاق مئات العائلات الفلسطينية. وكل المؤشرات تذهب باتجاه فرض حصار اقتصادي كامل على منطقة الخليل على غرار قطاع غزة، علماً أن الخليل تعتبر عاصمة الاقتصاد في الضفة الغربية إذ تشكل 40% من اقتصادها وفق تقارير الاحتلال. ولكن مع ذلك لن ينجح الاحتلال في كسر إرادة المدينة التي اعتادت على الصمود وابتكار وسائل المقاومة والتي طالما كانت ترى في قطاع غزة أنموذجاً لها. younis898@yahoo.com